سلوم

يدكْ ما تملح

ت + ت - الحجم الطبيعي

 يأخذنا موروثنا الثقافي إلى رمز من رموز العرب ويبين لنا كيف صورناه في موروثنا ليناسب عاداتنا وتقاليدنا العتيدة، فموضوع حديثنا اليوم هو (الملح) والذي يعرف في الثقافة العربية كرمز للعشرة، حيث يقول معظم العرب فيما يخص الملح عندما يريدون أن يبينوا مدى ترابطهم ببعضهم البعض بقول (بينّا عيش وملح) وقد أصبح من أعراف العرب أن من تتناول معه الطعام تكون كأنك عقدت معه عقد صلح وهدنة وعليك ما عليه وله ما لك..

وعند آخرين يجعلكما ذلك الطعام كأنكما أخوان، وموروثنا لم يكن ببعيدٍ عن ذلك، حيث كان لكلمة الملح معنى ليس مغايراً لما سلف من القول بل يطابقه بذاته ولكن لم نستخدم نفس الّلفظ أو نستخدمها كالقول السابق (بيننا عيش وملح) إنما أضفنا مع الملح (اليَدْ) بدل العيش والمقصود به في أغلب الدول العربية الخبز وليس كما هو في دول الخليج بمعنى الأرز، فيقول موروثنا في ما يخص ما ذكرت سابقاً على لسان الشخص الذي لا ينفعه عمله الطيب والحسن مع الآخرين (يْدَيّه ما تملح)..

وهذا الإسقاط أو التشبيه يعود إلى ماضٍ عريق وبليغ، حيث كان من أحد الطرق لدى السلف من أجدادنا في حفظ اللحوم هو رشها بالملح وتجفيفها سواء كانت تلك اللحوم بحرية أو برية، وقد كان للنفس الطيبة السريرة علاقة مباشرة مع تلك الأطعمة فكان هناك أشخاص برعوا في عملية تجفيف اللحوم بالملح..

ولكن لا يمضي سوى وقت قصير حتى يفسد ذلك الطعام متأثراً بالجو، فيقولون الناس (فلان يده ما تملح) في حين آخرين يبقى ما قاموا بتجفيفه من لحوم إلى ما يزيد على فترة العام فيقول من يعرفهم على سبيل المثال (عليك بفلان يديه صدق تملح) وعملية تجفيف اللحوم في السابق كانت من أهم مقومات الحياة التي كان يقوم بها سكان دولتنا والخليج العربي بشكل عام...

وذلك لحفظ الطعام مع اختلاف التضاريس الصعبة للمنطقة، الأمر الذي كان له بالغ الآثر في استمرارية الحياة في هذه الصحراء، فكان لأجدادنا وقفة مع هذا الجانب من الموروث ليصبح عمقاً تراثياً يعني الكثير في أحرف بسيطة لتصبح مضرباً للمثل، فمن لم يفيده معروفه في من قدمه له قال بصوت الحسرة ..

وهو يتأسف على حاله (يديه ما تملح في العرب) وكلمة العرب هنا هي الناس سواء كانوا عرباً أو غير ذلك، وتستخدم كلمة الملح أيضاً لمدح الرجل أو المرأة إذا كانا من ذوي الأخلاق الراقية وتمتعوا بحسن المظهر، قالوا فلان (مملوح) أو فلانة (مملوحة)، وتبقى كلمة الملح رمز الكمال في حسن الخلق ومكارمها كقول البعض (الكرم ملح الريال) أو (الصدق ملح الريال)..

كما أن الطعام مهما صنعه أمهر الطهاة لن تأكله حتى ولو تضورت جوعاً من دون قدر من الملح، وهنا نرى أن موروثنا الشعبي كان ولا يزال شامخاً أمام باقي الثقافات بمفرداته وعمقه وخصوصيته في تناول مواضيعه الخاصة من الجانب الاجتماعي أو الثقافي أو الحرفي أو الاقتصادي رغم بساطته.  وللحديث صلة

Email