التحولات الإسرائيلية.. دولة أم دولتان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يَلحَظ المتابع لتحولات الوضع السياسي الداخلي في الكيان الصهيوني، بروز مواقف متتالية ترى بأن ما يسمى بحل الدولتين على مسار التسوية أصبح عملياً «في خبر كان». وقد عبّر عن ذلك مؤخراً، وبوضوح صارخ أحد أقطاب اليمين العقائدي الصهيوني، الوزير السابق موشيه أرينز الذي شغل مواقع عدة داخل كيان دولة الاحتلال.. سفيراً في واشنطن والأمم المتحدة، ووزيراً للحرب أثناء اجتياح لبنان عام 1982 في وزارة الصهيوني المتطرف مناحيم بيغن زعيم حزب الليكود سنتذاك، حيث بات موشيه أرينز يرفع من وتيرة تنظيراته السياسية التي تتحدث عن دولة يهودية الطابع على كامل أرض فلسطين التاريخية عدا قطاع غزة، والتي يُمكن لها أن تستوعب فلسطينيي الضفة الغربية.

والمعروف أن موشيه أرينز في الثامنة والثمانين من العمر، ويحمل آراءه بخصوص الدولة الواحدة منذ عقدين. وهو أحد القادة التاريخيين لمعسكر اليمين، ودعا مؤخراً إلى ما أسماه «إحداث انعطاف في المفاوضات مع الفلسطينيين وهدم الجدار العازل» والخروج من منطق «حل الدولتين، والتفاوض على دولة واحدة للشعبين»، وقد لقيت دعوة أرينز، دعماً من بعض أطراف اليمين الصهيوني الذين يرون بضرورة الاحتفاظ بكامل أرض الضفة الغربية في أي تسوية قادمة.

وكان أرينز يتكلم في محاضرة في تل أبيب قبل أيام خلت، مُركزاً على رفض حل الدولتين والقول بحل دولة واحدة، حيث كرر القول: «أنا لا أريد أن يتحول الجدار مع الأيام إلى خط حدود سياسي، وأنا مستعد لأن تكون هناك دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، شرط لأن لا تشمل قطاع غزة». مضيفاً أنه «مستعد لأن تكون هذه الدولة يشارك فيها الفلسطينيون في التصويت للكنيست، إذا كانوا يقبلون بأن تكون دولة الشعب اليهودي». وتحظى مواقف أرينز بدعم من عدة شخصيات يمينية متطرفة.

وبالمقابل، فإن حل الدولة الديمقراطية على أرض فلسطين هو البديل من وجهة نظر البعض الآخر، من الذين مازالوا يُشكّلون إلى الآن حضوراً محدوداً داخل الكيان الصهيوني، منطلقين من أن حل الدولة الواحدة سيفرض نفسه تلقائياً مع مرور الزمن على أرض الواقع وهو في جوهرة من وجهة نظرهم «حل دولة ثنائية القومية، رعاياها متساوون، وستلغى عندها هوية الدولة اليهودية» (بالرغم من التحفظ على كلمة شعبين، حيث لاتنطبق على اليهود في فلسطين كلمة شعب وإلا فنحن نخالف منطق الأشياء). فهناك تأييد، وإن يكن مازال محدوداً، لفكرة الدولة الواحدة في أوساط صهيونية على أساس أن ذلك هو الفرصة الوحيدة لحل سياسي حقيقي في الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك على حساب مايسمونه زوراً وبهتاناً بـ«الوطن اليهودي».

حل الدولتين الذي يدعو له النظام الرسمي العربي ويتبناه العالم الغربي والولايات المتحدة عموماً، يكاد يبدو مستحيلاً الآن وفي الأفق المنظور بالشروط الأميركية والصهيونية، إذ لا تريد كلاً من واشنطن وتل أبيب إعطاء الفلسطينيين القدس، ولا الرجوع لحدود العام 1967 ولا تفكيك المستعمرات، بل يرون بدولة اسمية للشعب الفلسطيني بدل الحقوق، مع شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ففكرة حل الدولتين، وبغض النظر عمن أطلقها، وعن عدالتها من عدمه، تقف على مفترق طرق في إطار الفرصة الأخيرة، وهو ما كان قد أشار إليه واحدٌ من ما يطلق عليهم بحمائم حزب العمل في الكيان الصهيوني الوزير «الإسرائيلي» يوسي بيلين الذي شغل مقعداً في البرلمان «الإسرائيلي» ممثلاً لحزب العمل مرة، ولحركة «ميريتس» اليسارية الصهيونية مرة ثانية، وكان من صناع اتفاق أوسلو عام 1993، وقد اعتبر أن «إعلان أوسلو أصبح وسيلة أتاحت للطرفين إحباط حل الدولتين، بدلاً من أن يكون الطريق نحو حل الدولتين كما أراد صانعوه» على حد تعبيره، مشيراً وحسب زعمه وباعتباره من صناع اتفاق أوسلو أن «اتفاقية أوسلو كانت نصراً عظيماً لمعسكري السلام في الجانبين، وقد تم إحباطها من جانب أعدائها الذين لا يريدون تعزيز حل الدولتين».

وفي المسار ذاته، فإن أحمد قريع، وهو رئيس وزراء فلسطيني سابق والذي كان واحداً من المفاوضين الرئيسيين في عملية صناعة اتفاق أوسلو، اعتبر بدوره «أن حل الدولتين أصبح ميتاً، وأن خيار الدولة الواحدة الديمقراطية على أرض فلسطين التاريخية من نهرها لبحرها، يجب التفكير به حالياً».

وبعيداً عن جدية أو عدم جدية أقوال كلاً من يوسي بيلين وأحمد قريع وهما رمزان أساسيان من رموز مسيرة تسوية أوسلو، إلا أنهما يعكسان في حقيقة الأمر وجهة نظر باتت محط جدل ونقاش حتى داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية وداخل صفوف قطاعات متزايدة من الأنتلجنسيا اليهودية، وبات يتبناها أيضاً الكثير من المراقبين لعملية التسوية المتوقفة في المنطقة والغارقة في أوحال التعقيدات الهائلة، مع انغلاق نافذة الفرصة لإقامة الدولة الفلسطينية كما يرى البعض، أو قرب انغلاقها.

Email