التجربة الجامعية الأميركية على خطى الديناصورات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت النتيجة قوة عمل أكثر مهارة، ومواطنين ديمقراطيين يتسمون بالكفاءة، وربما لا يزال هذا النموذجي صحيحا في الجامعات الأميركية الرائدة، غير أنه في معظم الجامعات الأميركية الأخرى، حدث شيء مزعج لذلك النموذج، فكل النظم المتعلقة بالحرم الجامعي أصبحت عتيقة على نحو مأساوي، أو مناقضة لمهمتها الأصلية.

كان يفترض أن عمل الأساتذة الذي يمتد طول العمر تقريبا، ويؤمن لهم العمل بدوام كامل بعد ست سنوات، يتيح لهم بدء مسيرة وظيفية تحمي حرية الحديث في الحرم الجامعي، فكيف أصبحت أيديولوجية الحرم الجامعي مملة أكثر مما هي منوعة؟ ومتعصبة على الصعيد السياسي حيال الآراء غير الرائجة أكثر مما هي متفتحة الذهن؟

إن تجربة الحرم الجامعي التي تدوم 4 سنوات تختفي الآن في أميركا، ففي نظام جامعة ولاية كاليفورنيا، التي تعد أكبر مجمع جامعي في العالم، يتخرج أقل من 20% من الطلبة في 4 سنوات، رغم الدعم الطلابي الهائل، ويتخرج أقل من نصف الطلاب في 6 سنوات.

ويتحدر مديرو الجامعات والكليات عادة من صفوف الأساتذة الجامعيين، الذين ينتقلون من التدريس والمنح للقيام بالمهمة التي لا يحسد عليها أحد، والمتمثلة في إدارة الجامعات. أما الآن فإن المديرين نادرا ما يقومون بالتدريس، هذا إذا درّسوا على الإطلاق، وبدلا من ذلك يصبحون جزءا من طائفة مهنية تتلقى أجرا مرتفعا، ولا تمت بشكل متواز للشرائح الأخرى العاملة في مجال التعليم.

 وفي نظام جامعة ولاية كاليفورنيا، انفجرت أعدادهم في السنوات الأخيرة مسجلة زيادة نسبتها 221% في الفترة من 1975-2008، وهناك الآن من هؤلاء المديرين في ذلك النظام، ما يتجاوز عدد الأساتذة الجامعيين العاملين بدوام كامل.

وكان يفترض أن يكون القبول في الجامعات الأميركية، بمثابة مكافأة على الجهد الشاق والتميز المؤكد في المدارس الثانوية، وليس استحقاقا مضمونا للقبول المفتوح في الجامعات. ومع ذلك، فإن أكثر من نصف طلبة السنة الأولى القادمين إلى الجامعة، يتعين رفع مستواهم في الرياضيات واللغة الإنجليزية خلال الالتحاق بالدراسة الجامعية وليس قبلها.

وفكرة الطلبة الجامعيين الغارقين في الدين وهم في العشرينات من أعمارهم، ومن دون درجات جامعية، بل ومن دون مهارات تقليدية في القراءة والكتابة، هي شيء جديد نسبيا في أميركا. ومع ذلك فإن الدين الطلابي المتراكم قد وصل إلى مبلغ فلكي هو تريليون دولار.

وما يزيد على نصف الخريجين الجامعيين الحديثين - الذين يفترض في نهاية المطاف أن يدعموا الصناعة الجامعية الهائلة - إما أنهم عاطلون أو يعملون في وظائف لا تتطلب درجة البكالوريوس، وحوالي ربع هؤلاء الطلبة الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، يعانون من البطالة ولا يزالون يسعون للحصول على وظائف.

وإذا نحينا جانبا الكليات الخاصة الأميركية التي تعد كليات نخبة، فإن صورة الحرم الجامعي الأميركي ما بعد الحداثي التي تبرز، هي صورة قوامها فشل متفاقم.

ما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل؟ البرامج الدراسية التي تقدم عبر الإنترنت ستستقطب المزيد من الطلبة بعيدا عن الجامعات، وبجزء بسيط من تكاليف الدراسة الجامعية الحالية.

والكليات الفنية التي تقدم للطلبة برامج دراسية متميزة، ستقدم لهم مستقبلا مهارات قابلة للتسويق بشكل أرخص كثيرا وبقدر كبير من الكفاءة. وربما تتغير مواقف الرأي العام من التعليم كذلك.

فالطالب المدين الذي يدرس العلوم الاجتماعية وهو في منتصف العشرينات من عمره، والذي يحمل درجة جامعية أو لا يحملها، لن يحظى بالقبول الذي كانت تتمتع به النخبة ذات التعليم الجامعي على الأقل، بالمقارنة مع من لا يتحمل دينا ويعمل بدوام كامل ويتلقى أجرا أعلى، ويعمل كهربائيا أو سباكا أو مبرمج كمبيوتر ماهرا، دون أن يحمل درجة جامعية. وستكون المهارات الحقيقية أكثر أهمية من ارتياد الجامعة.

وسينظر أرباب العمل إلى الكفاءة في الاختبارات الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية، على أنها مقاييس تنتمي إلى الماضي. إن التجربة الجامعية التي تحولت إلى مراهقة ممتدة مكلفة وساحة سياسية أو مختبر اجتماعي، شيء مختلف تماما عن المكان الجاد الذي يمكن فيه تحقيق المعرفة العلمية والإنسانية.. فلا عجب إذا كنت اليوم شيئا تصعب استدامته ماليا، ويمضي في الطريق نفسه الذي سلكته قبله الديناصورات.

 

Email