هل تنهض كاليفورنيا مجدداً؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل الإشادات الأخيرة بنهضة جديدة في كاليفورنيا حقيقية وفي موضعها؟ لقد ذكرت مجلة "رولينغ ستون" مؤخرا أن حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون، قد أبعد الولاية عن حافة هوة "بطالة ذات رقمين وعجز يقدر بنحو 26 مليار دولار، وحائط دين متراكم يصل إلى 35 ملياراً.

من سوء الطالع أن كاليفورنيا لا تزال تواجه أزمات وجودية، فمعدل البطالة قد عاد في يوليو الماضي إلى 8.7%، وهذا معدل أعلى بشكل ملموس من المتوسط القومي الراهن وهو 7.3%. ومثل هذا المعدل المرتفع للبطالة مؤشر سيئ عندما يمضي المجلس التشريعي للولاية، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، في الدفع نحو حد أدنى إجباري للأجور يصل إلى 9.25 دولارات في غضون أقل من عامين.

و"حائط الدين" ليس 35 مليار دولار، فطبقاً لتقرير قوة العمل بشأن أزمة ميزانية الولاية الذي صدر في يناير الماضي، يتراوح دين كاليفورنيا بين حد أدنى قدره 167 مليار دولار ورقم مذهل هو 335 ملياراً!

ولتجاوز العجز في الميزانية، أجرى حاكم الولاية جيري براون تخفيضا للنفقات، لكنه رفع أيضاً الضرائب، المرتفعة أصلًا، المفروضة على الدخل والمبيعات والوقود، لتصل إلى المستويات القومية. ولن يعرف تأثير تلك النفقات على أي من أنشطة الأعمال، أو على ما يجري حالياً من مغادرة الأكثر ثراء إلى خارج الولاية.

ولكن لماذا واجهت كاليفورنيا أزمة مالية؟ إن أسعار الغذاء العالمية تحلق عالياً، وكاليفورنيا لديها أفضل الأراضي والظروف المناخية والمزارعين في العالم، ووادي السيليكون يضم آبل، غوغل، إنتل وفيسبوك. والولاية تضم بعض كبرى الشركات الأميركية، مثل ويلز فارغو، شيفرون، هيوليت باكارد وسيفواي.

وصناعة السينما في هوليوود، والسياحة من ديزني لاند إلى يوسيمايت، وصناعة المشروبات واحتياطيات الغاز والنفط الكبيرة، ينبغي أن تجعل كاليفورنيا أكثر رخاء من سويسرا، وجامعاتها الخمس الكبرى تأتي عادة ضمن جامعات القمة العشرين على مستوى العالم.

ولكن رغم كل ما حظيت به ولاية كاليفورنيا، فإنها غالبا ما بددت ميراثها، ورغم كل استثماراتها الباهظة في الحصول على الطاقة من الرياح والشمس، فإن معدلات الكهرباء فيها هي الأكثر انخفاضاً على المستوى القومي.

والعبء يقع كأثقل ما يكون، ليس على النخبة الخضراء في الجماعات الساحلية، وإنما على كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة المتركزة في الداخل الأكثر حرارة وبرودة. ويدفع أبناء كاليفورنيا أسعاراً تعد من بين أعلى الأسعار للوقود على المستوى القومي، وهذه التكاليف الهائلة تبدو سيريالية في ضوء أن الولاية تستقر على احتياطيات هائلة من النفط والغاز لم تستغل بعد. واللغز الكاليفورني المتمثل في الجمع بين أعلى المعدلات الضريبية وأسوأ الخدمات، تتردد أصداؤه كذلك في الترتيب وفقاً للولايات بالنسبة لنتائج اختبارات المدارس العامة، وتتواصل المراتب التي تحصل عليها مدارس كاليفورنيا احتلال أكثر المراتب انخفاضاً.

هل تترجم هذه الضرائب الهائلة المفروضة في كاليفورنيا على الوقود في صورة طرق ممتازة؟ ليس بعد على الأقل، ويدرج التقرير السنوي العشرون عن الطرق الرئيسية الصادر عن مؤسسة ريزون، طرق كاليفورنيا في المرتبة 47 على مستوى الولايات المتحدة.

وفي غضون السنوات العشرين الأخيرة، غادر 3.4 ملايين من أبناء كاليفورنيا المنتمين إلى الطبقة المتوسطة والشريحة العليا من هذه الطبقة، هذه الولاية الفردوس إلى ولايات ذات ضرائب منخفضة أو ليست فيها ضرائب على الإطلاق. وتشير إحصاءات 2012 إلى أن كاليفورنيا فيها أعلى مستوى في الفقر في أي ولاية من الولايات الأميركية (23.5%)، وهذه الولاية التي تضم 12% تقريبا من سكان الولايات المتحدة، هي الآن موطن 33% من متلقي إعانة الرفاه على المستوى القومي.

ما هي إذاً استراتيجية الولاية بالنسبة للانتعاش؟ المزيد من الضرائب والقيود وحكومة أكبر حجماً.

يبدو أن المسؤولين في سكرامنتو يفترضون أن ميراث الولاية الثري، الثقافة الساحلية والجمال الطبيعي الخلاب والمناخ، كل ذلك سيضمن أن معظم أبناء كاليفورنيا سيبقون فيها ويواصلون التجديد والابتكار، ويحققون المزيد من المبيعات والدخل وضرائب الوقود.

لسوف تكون تكلفة المعيشة الباهظة هي الثمن الذي يدفعه المرء مقابل إقامته في نيوبورت بيتش أو بالو ألتو، وهما مكانان يعتقد أنهما الأكثر أماناً، إن لم يكونا الأكثر حصانة، من الاضطراب الذي يفرض نفسه في مناطق أخرى من الولاية. هل ستسترد كاليفورنيا إذاً مجدها الماضي، أو تمضي في الطريق الذي مضت عليه ديترويت؟ ربما يحدث الأمران معاً.

ربما لن يبادر الخضر في المناطق الساحلية وسكان باي إيريا التقدميون، والنخب الحضرية الليبرالية والعاملون في شركات التقنية، إلى الهرب عما قريب من درجات الحرارة المرتفعة والممر الممتد من بيركلي إلى سان دييغو.

ورغم ذلك، فإنه بالنسبة للطبقات المتوسطة التي تخضع للمعاناة في داخل حوض لوس أنجلوس والوادي المركزي، هناك عاصفة تهب. فهم لا يستطيعون مواجهة الضرائب الآخذة في الارتفاع، والبطالة المتزايدة، والهجرة غير الشرعية باهظة التكلفة، ومعدلات الجريمة الآخذة في الارتفاع، والطرق المتواضعة، وأسعار الوقود المتصاعدة، وقيم رهن العقارات التي تقل عن سعرها الفعلي.

باختصار، فإن الممر الساحلي في كاليفورنيا ما زال يشبه ألمانيا، بينما جانب كبير من داخل الولاية يشبه الآن اليونان.

Email