الحد الأدنى للأجور ومعنى العيش اللائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المفترض ألا يتطلب منا رفع الحد الأدنى للأجور، من 7.25 إلى 9 دولارات في الساعة، الكثير من التفكير. يقول الجمهوريون إن هذا سيدفع أرباب العمل إلى إزالة الوظائف، لكن هذا قول فارغ.

فأرباب العمل لن يعملوا على تعهيد الوظائف إلى جهة خارجية أو إحلال الآلات محل العمال، لأن الوظائف في هذا المستوى المتدني من الأجور، جميعها في قطاع الخدمات الشخصي المحلي، أي في قطاع البيع بالتجزئة والمطاعم والفنادق ونحوها، حيث يمرر أرباب العمل الزيادة الضئيلة في الأجور إلى الزبائن، على شكل بنسات إضافية في فواتيرهم.

والولايات التي ثبتت الحد الأدنى للأجور عند مستوى قرب 9 دولارات أعلى من الحد الأدنى الفيدرالي الحالي، لا تشكل معدلات العاطلين عن العمل فيها نسبة أعلى مما لدى الولايات التي ما زالت عند الحد الأدنى الفيدرالي. وهذا لا يعني أنه يمكننا زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارا أو 20 دولارا من دون إحداث تأثيرات سلبية على الوظائف، بل يعني فقط أنه يمكننا زيادتها بشكل متواضع.

ولقد رفعنا الحد الأدنى للأجور عام 1996، عندما كنت وزيرا للعمل، وزعم الجمهوريون حينها، أيضا، أن هذا الأمر سيؤدي إلى زوال الوظائف. لكن هذا لم يحدث، بل في الواقع تسارع نمو الوظائف.

ومقدار 9 دولارات في الساعة يعني حوالي 18 ألف دولار في السنة، وهذا المبلغ ما زال تحت خط الفقر، علما أن معظم العاملين بالحد الأدنى للأجور ليسوا تلاميذ مدارس، بل هم معيلون لعائلاتهم، يكدون في محاولة يائسة لتأمين لقمة العيش، وعند إضافة رصيد ضرائب الدخل المحصلة وقسائم الغذاء، فإنه بالكاد يمكن لأحدهم ممن يتقاضى 9 دولارات كحد أدنى للأجور، أن يصعد فوق خط الفقر.. ومجتمع لائق كريم ينبغي أن يفعل هذا القدر وأكثر.

يقول بعض المحافظين "العيش اللائق" لا علاقة له بالأمر. من له الحق في أن يقرر ما هي مستلزمات العيش اللائق المحترم؟ يقولون إنه يفترض بنا ترك "السوق" يقرر ما يدفع للناس. وهذه إحدى أقدم المقولات الكاذبة للمحافظين، وهي مبنية على الزعم الخاطئ بأنه يوجد شيء يدعى "السوق" بالانفصال عن المجتمع. لكن في الحالة الطبيعية لا يوجد "سوق"، بل مجرد صراع بقاء.

نحن نقرر أنه لا يفترض أن يكون الأطفال الصغار ضمن القوة العاملة. تخيلوا المقدار المتدني للسقف الذي بإمكاننا وضعه، لو أن الأطفال في عمر 10 سنوات يقومون بهذه الأعمال مقابل بضعة دولارات في الساعة، أو مقابل تقديم مخروط من الآيس كريم، لكننا لا نسمح بذلك أيضا.

ونبذل وسعنا لمنع بيع وشراء الكثير من الأمور، مثل العبيد، والمخدرات الخطرة، والأطفال، والأصوات الانتخابية، والجنس والمدافع الرشاشة والمواد النووية.. فلماذا لا نترك هذه الأمور لـ"السوق"؟ لأن معظمنا لا يريد سوقا تتضمن مثل تلك الأنواع من التبادلات.

قد تختلف الآراء حول ما يتطلبه "العيش اللائق" بالطبع، لكننا نتحدث مع الآخرين حول هذا الأمر في ديمقراطيتنا. أحيانا نقرر أن المقاييس المقترحة كحد أدنى، مكلفة جدا أو غير ناجعة أو لا يمكن فرضها، أو أنها تضع عقبات لا مبرر لها أمام حرياتنا.. وتخرج مجتمعات مختلفة بإجابات مختلفة، وكل مجتمع بالضرورة يقرر لنفسه ما يتطلبه "العيش اللائق".. وهذا هو المعنى الحقيقي لـ"المجتمع".

فلا تقعوا تحت تأثير التأكيد الطائش بأن "الأسواق" تدرك أفضل من غيرها، فالأسواق من اختراع البشر، وتتطلب من البشر أن يقرروا بشأن كيفية بنائها وكيفية الحفاظ عليها.

والأسئلة الأكثر صعوبة التي نواجهها اليوم، والمتمثلة في ما إذا كنا سنزيد الحد الأدنى للأجور أو مقدار هذه الزيادة، أو سنقوم بتقييد انتشار السلاح أو توسيع الرعاية الصحية وكيفية قيامنا بذلك.. كلها ستتطلب منا حتما تعريف ما نقصده بمجتمع لائق كريم.

 

Email