أميركا والهجرة المكسيكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هنالك العديد من العناصر الغريبة في النقاش الدائر حول الهجرة غير الشرعية، ولكن لا شيء أغرب من دور المكسيك الذي يتم تجاهله غالباً. فما زال ملايين المواطنين المكسيكيين يحاولون عبور الحدود الأميركية بطريقة غير شرعية، بسبب النمو الاقتصادي الكئيب ونقص فرص العمل في المكسيك..

لم يعد الأمر كذلك، ففي ما يتعلق بالاقتصاد، فإن المكسيك نادراً ما كانت أفضل حالاً، والولايات المتحدة نادراً ما كانت أسوأ حالاً. فمعدل البطالة في المكسيك حالياً يقل عن 5%، وإلى الشمال من حدودها، لا يزال معدل البطالة عالقاً عند أكثر من 7%، للشهر الثالث والخمسين على التوالي من رئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وينمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بمعدل يقل عن 2% سنوياً، بينما المكسيك المزدهرة ضاعفت تلك النسبة تقريباً في 2012، مع نمو ناتجها المحلي الإجمالي بمعدل قوي يقرب من 4%.

أهو الجوع الشديد، ما يرغم ملايين المكسيكيين على الفرار شمالاً، كما يمكن أن يكون قد فعل في الماضي؟

ليس بالضرورة، فوفقاً لدراسة أجرتها الأمم المتحدة مؤخراً، فإن نحو 70% من المواطنين في المكسيك يعانون من زيادة الوزن، ومن مشكلات الحمية الغذائية، والمخاوف الصحية، وعدم ممارسة الرياضة، وهي ذاتها التي تتقاسمها المجتمعات الغربية الأخرى الأكثر ثراء.

تنتقد المكسيك بشدة سياسة الهجرة الأميركية، واصفة الأميركيين غالباً بعديمي الإحساس والرحمة، لمحاولتهم إغلاق حدودهم. وقد بلغ بها الأمر حد الانضمام إلى دعاوى قضائية ضد ولايات أميركية مختلفة، لإجبارها على تخفيف قوانينها الحدودية. وانتقد الرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، الولايات المتحدة بعنف، لمحاولتها "تجريم الهجرة".

فهل تمثل المكسيك، إذن، نموذجاً للتسامح بشأن الهجرة؟ على العكس، فالمكسيك اعتمدت قوانين تعد من أكثر قوانين الهجرة صرامة في العالم، وانتقدت غواتيمالا، المكسيك لشروعها في بناء سياج على طول حدودها الجنوبية. ولا تتسامح المكسيك إطلاقاً مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون للعمل داخلها، أو يخرقون القانون المكسيكي، أو يعيشون على المساعدات العامة، أو مع أي مواطنين مكسيكيين يقدمون لهم المساعدة.

وفي المكسيك، تهدف الهجرة الشرعية إلى تفضيل الوافدين الشرعيين الذين يتمتعون بمهارات تساعد الاقتصاد المكسيكي، والذين، وفقاً لقانون الهجرة المكسيكي، يملكون "الأموال اللازمة لإعالتهم"، في ظل رفضها دخول أولئك الذين لا ينعمون بالصحة أو من شأنهم الإخلال بـ"توازن التركيبة السكانية الوطنية".

وفي عام 2005، نشرت الحكومة المكسيكية "دليل المهاجرين المكسيكيين"، في شكل كتاب مصور، لإرشاد المكسيكيين إلى أفضل سبل العبور بصورة غير مشروعة إلى الولايات المتحدة والبقاء فيها. فهل افترضت المكسيك أن مواطنيها المغادرين كانوا جهلاء إلى حد كبير، وغير قلقين بشأن انتهاك قوانين بلد أجنبي؟

ومع ذلك، فإن المكسيك تعتمد على هؤلاء الفقراء المغتربين ليرسلوا إليها ما يزيد على 20 مليار دولار من التحويلات السنوية، تمثل حالياً ثالث أكبر مصادر النقد الأجنبي في المكسيك.

وفي الحقيقة، فإن المكسيكيين يفرون بالألوف شمالاً، ليس بالضرورة لعدم وجود فرص عمل، أو لأنهم يتضورون جوعاً في بلادهم، ولكن لأن أميركا تقدم لهم قدراً أكبر بكثير من الحراك الصعودي والعدالة الاجتماعية، من ذلك الذي تقدمه لهم المكسيك. ورغم كل الكلام عن الانتماء العرقي والطبقي، فإن ملايين المكسيكيين يهاجرون للاستمتاع بقدر أكبر بكثير من التسامح الثقافي في الولايات المتحدة.

ويمثل المكسيكيون الأصليون جزءاً كبيراً من الموجة الأخيرة من الوافدين المكسيكيين، ويبدو أن بعضهم يرون في الولايات المتحدة الناطقة باللغة الإنجليزية ومتعددة الأعراق، مكاناً أكثر إنصافاً من مجتمع المكسيك الهرمي، والمقسم غالباً إلى طبقات بصورة عنصرية.

ينبغي أن يشكل الناس أعظم موارد الدولة، وسواء أكان ما سأقوله منصفاً أم لا، فإن المكسيك طالما عرف عنها أنها تنظر إلى مواطنيها على أنهم سلعة تصديرية قيمة، أقرب إلى النفط أو المواد الغذائية. وعندما يكون المغتربون المكسيكيون صغاراً وأصحاء، يتوقع منهم أن يقتروا ويدخروا ويدعموا أقاربهم الأكثر فقراً في المكسيك. وعندما يصبح هؤلاء المغتربون مرضى ومسنين، تلزم الولايات المتحدة بدفع ثمن رعايتهم.

مشكلة المكسيك الحالية، هي أنه يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل قريباً مع الهجرة غير الشرعية، بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها المكسيك معها. ولكن في الوقت الراهن، نظراً لأن المواطنين المكسيكيين يستطيعون جمع المال المكسيكي بدلاً من إنفاقه، فإنه لا يوجد ما يدعو جارتنا الجنوبية إلى ثني مواطنيها عن مغادرتها، بأي طريقة كانت.

Email