رمضان وحرارة الاستهلاك

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذه الأيام الفضيلة تجد نفسك مجبراً لا بطل، تجلس في مقابل جهاز التلفزيون وخاصة قبيل الإفطار وحتى قبيل تناول السحور، حين ذاك تدرك أن المسلسلات اليومية تكرر الأفكار السابقة حول هموم المجتمعات العربية اللهم ما ندر، وفي الوقت ذاته هنالك المسابقات المختلفة ومقدمو هذه البرامج متعاطفون مع المشاهدين لذلك يساعدونهم بكل اللغات ومنها لغة الجسد حتى لا يخرج مشاهد من غير جائزة مالية أو غيرها.

أصبحت البرامج الرمضانية متكررة على معظم المحطات العربية وربما معادة من رمضانيات سابقة ولكن بوجوه جديدة، وكأنها نسخة من بعضها البعض.

أما ما يتعلق بسلوك بعض السائقين على الطريق في رمضان، فحدث ولا حرج حيث إنهم في سباق مع بعضهم البعض أو ربما مع ظلهم، ولا تدري لماذا هذه العجلة والسرعة، وتتطاير من عيونهم الشرر وتدرك أن هذا العالم مجنون ومضطرب، وعليك أن تضع أعصابك في ثلاجة باردة جداً، وإلا دخلت في حلبة المصارعة القاتلة.

أما إذا ذهبت إلى الأسواق والجمعيات التعاونية فهناك معركة أخرى هي أم المعارك في سبيل الحصول على ما تريد من البضائع ربما لا تحتاج إلى معظمها، حيث تشاهد المشترين يدفعون بعربات التسوق بصعوبة من كثرة المشتريات المكدسة عليها، إنها الروح الاستهلاكية الشرهة والمتناقضة تماماً مع جلال الشهر الكريم، وكأنه ليس شهراً للصيام بل للشراء والأكل بلا حساب، إنها الروح الاستهلاكية الشرهة التي تجر الناس نحو ممرات المحلات والأخذ من الرفوف المختلفة من دون عقل يفكر أو رادع يقمع شهوة الأكل.

يأتي بعد ذلك مشوار العذاب بالانضمام إلى الصفوف والطوابير الطويلة للوصول إلى صندوق الدفع، وقد تصاب بصدمة حينما يفرغ الموظف من طباعة المشتريات المتعددة وتدرك أن الذهاب إلى السوق في حالة الصوم يجرك إلى فقدان أعصابك، وعليك أن تبرمج ذاتك بحيث تذهب إلى التسوق بعد الإفطار، وحبذا بعد صلاة العشاء حيث الجو إلى حد ما مقبول بعد انخفاض درجات الحرارة نسبياً وانخفاض حدة العصبية لدى الناس من جراء الصيام في النهار، فقد تناولوا إفطارهم وعادت دورتهم الدموية للعمل بشكل طبيعي.

من أكثر الأفراد دراية بالتبذير والاستهلاك في هذا الشهر الفضيل هم عمال جامعي القمامة من المنازل، ولعلهم يتحسرون على كميات الطعام الملقاة في مخلفات القمامة والتي ربما تكفي لتخفيف حدة المجاعة في العالم. على حين أن المستهلكين يكررون نفس الكارثة بالطعام يومياً مع سبق الإصرار والتباهي بالتبذير وهذا بالقطع يتناقض مع روح الإسلام.

ولا يخلو رمضان من الإيجابيات والمظاهر الطيبة، حيث في هذه الأيام نرى المجالس الرمضانية وهي متنوعة وعديدة، وكل منها له رواده، بعضها لا يستمر طويلاً وهي المجالس التي يرتادها كبار السن، أما مجالس الشباب لا يفرقهم إلا إدراكهم بقرب السحور وتناول الطعام استعداداً لصوم يوم جديد.

اعتقد أن أجهزة التكييف في العديد من المنازل سوف تتقدم بشكوى لهيئة الأمم المتحدة وجمعيات حماية الأجهزة، حيث أنها لا تتوقف عن العمل طول هذا الشهر الفضيل والحقيقة أن الحرارة لا تطاق من دون أجهزة التكييف، لذا علينا أن نقدم الشكر والعرفان لمخترع هذه الأجهزة الجبارة، والتي تجعلنا نحتمل الحرارة من دون الخروج في تظاهرات ضد الطقس، أو هروب جماعي إلى المناطق الباردة وهي فترة لا تطول حيث العودة من جديد إلى الوطن.

ومن المواضيع الأخرى التي تشغل بال معظم الناس في الإمارات هو قضاء الإجازة الصيفية بعد رمضان إلى أين، معظم الدول العربية غير مشجعة للعديد من الأسباب، وأوروبا الأسعار بها جهنم، فما هو الحل عزيزي القارئ ؟

فكر قبل أن تشتري وفكر مرتين قبل أن تسافر وإلا وقعت في فخ الديون المتراكمة من جديد.

Email