أميركا كوني مصدر وحي لنا لا سيّدة علينا (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه رسالة موجَّهة إلى أمريكا التي أعتبر أن شعبها هو من الأكثر تنوّراً في العالم. وتأتي في لحظة تاريخية يتنامى فيها العداء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بسبب السياسة الخارجية غير الكفوءة التي تنتهجها الحكومة الأميركية.

 الغالبية الكبرى من العرب لا تضمر أي سوء للشعب الأمريكي أو لمؤسسات بلادكم. فنحن نقرّ بامتنان بأننا أفدنا كثيراً من معارفكم، وبأنكم أعطيتمونا بسخاء طوال عقود.

تخرّج شبابنا من الجامعات الأمريكية، وعولجت عائلاتنا في المستشفيات الأمريكية؛ وقد شفي كثرٌ بفضل التطوّرات التي أحدثتموها في القطاع الطبي. لقد تبنّينا ممارساتكم في الأعمال ونظمكم المصرفية.

والطائرات التي تنقلنا إلى خارج حدود بلداننا أمريكية الصنع، وبفضل خيرة الأدمغة لديكم، بات التواصل الفوري عبر الهواتف الجوّالة والإنترنت من المسلّمات. لا تزال بلدان عربية عدّة تعتمد على المساعدات العسكرية وبرامج التدريب الأمريكية. مما لا شك فيه أنه لولا اليد التي مدّتها لنا أمريكا، لبقينا ربما أسرى القرن العشرين.

تمتّعت دول الخليج تقليدياً بروابط ممتازة مع الحكومة الأمريكية. أعلّق قيمة كبيرة على صداقاتي الشخصية مع أمريكيين من مختلف الطبقات الاجتماعية والسياسية، من مديري فنادق إلى مالكي متاجر ورجال أعمال وأطباء ومشاهير ودبلوماسيين وسياسيين.

أتردّد باستمرار إلى الولايات المتحدة لتمضية وقت نوعي مع أصدقائي الأمريكيين الذين غالباً ما يأتون إلى دبي لرؤيتي. نضحك معاً، ونتبادل الثقة، كما طوّرنا فهماً مشتركاً يتخطّى الثقافات وأنماط الحياة المختلفة. إلا أن البيت الأبيض والكونغرس يخفقان باستمرار في فهم تقاليدنا ونمط حياتنا وأسلوبنا في التواصل. وكأنهما يتعمّدان البقاء داخل فقّاعة من الجهل في ما يختص بالعرب وشؤونهم.

يطرح الأمريكيون السؤال الشهير "لماذا لا يحبّوننا؟" يشاهدون الآن المصريين يرفعون ملصقات عليها صورة الرئيس الأمريكي مع العبارة التالية "أوباما يدعم الإرهابيين". إنها إهانة، ومبالغة شديدة.

لكن من يمكنه أن يلوم المصريين على الإرباك الذي يتخبّط به الأميركيون بسبب دعم أوباما للإخوان المسلمين منذ إطاحة مبارك؟ فقد كشف أوباما أنه يحب محمد مرسي وأنه يعتقد أن الشعور متبادل.

وطلب من سفيرته في مصر، آن باترسون، التي هي الآن من أكثر الشخصيات المكروهة في البلاد، إحباط عملية عزل مرسي وإدانة انتفاضة 30 يونيو عبر اتّهامها بإلحاق الضرر بالاقتصاد.

وقد استنكر البيت الأبيض إصدار مذكرات توقيف بحق القياديين في جماعة "الإخوان المسلمين"، بمن فيهم المرشد الأعلى على الرغم من أنه يحضّ على العنف ويعظّم الشهادة باسم مهندس فاشل لا يمكن أن يُعهَد إليه بإدارة شركة إنشاءات كتلك التي أملكها، فما بالكم بقيادة بلد من 90 مليون نسمة.

مرسي مجرم فرّ من السجن بمساعدة أصدقائه في حركة "حماس"، والتي تشنّ اليوم هجمات صاروخية على الجنود المصريين في سيناء. وخير دليل على ذلك أن أحد أزلامه، الدكتور محمد البلتاجي، عرض وقف العنف شرط إعادة مرسي إلى منصبه، ما يعني أنه هو من يحرّك جهاز التحكّم عن بعد. وكيف ينظر أوباما إلى هذا كلّه؟

يطالب أوباما بالإفراج عن مرسي غير عابئ بأنه يجري التحقيق معه بسبب ما ارتكبه من أخطاء، أو بأنه من شأن إخلاء سبيله أن يؤدّي إلى تقوية أعداء مصر الجديدة التي تتخبّط للنهوض من كبوتها.

ليس غريباً أن المصريين مقتنعون بأن الولايات المتحدة لا تأبه لهم، وتفضّل تقديم الدعم لعقائديين دينيين لا يملكون ذرّة ولاء لبلادهم، بل على العكس يعقدون العزم على تدمير المنطقة بهدف إقامة خلافة إسلامية.

الأسباب التي تدفع إدارة أوباما إلى دعم تنظيم متورّط مع الملالي الإيرانيين وحركة "حماس" ومؤسّسي تنظيم "القاعدة" منذ السبعينيات، تبقى لغزاً.

لماذا يبارك الكونغرس هذا الموقف في حين أنه دعم بشدّة الحرب على الإرهاب؟ ما الدافع الحقيقي خلف هذا التحالف من تحت الطاولة بين واشنطن والإخوان؟ تخطئ الولايات المتحدة في تدخّلها في الشؤون المصرية عبر الانحياز إلى طرف دون الآخر، أو بحسب القول الشائع، التدخّل بين الأم وابنها.

مطلوب من البيت الأبيض، مع فائق الاحترام، الاهتمام بشؤونه والتوقّف عن ضخ مليارات الدولارات لزرع الشقاق، بما يؤدّي إلى تأجيج الكراهية ضد الولايات المتحدة في شوارع العواصم العربية كافة.

Email