لا يمكن الوثوق بالقوى العالمية لإنقاذ سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مثل هرّ يحمل وعاء من القشدة، فيما كان قادة البلدان الأكثر غنى في العالم يصطفون خلال قمة مجموعة الثماني في شمال إيرلندا، لتوقيع بيان عن الأزمة السورية عقب مشاحنات استمرّت أياماً. لقد حقّق المستحيل، وأقنع نظراءه بالتكلّم بصوت واحد.

إذاً، لقد نطق القادة الأكثر نفوذاً في العالم، وبات بإمكان المواطنين السوريين المحاصرين أن يتطلّعوا إلى من ينقذهم من وحش يعادي شعبه، وليس له الحق في أن يُسمّي نفسه رئيساً. أنا أمزح بالتأكيد، مع أن القضية لا تحتمل الدعابة. فالسوريون تعرّضوا مرّة أخرى للخيانة القاسية، ولم تُسمَع صرخات الاستغاثة التي يطلقونها.

بعد ساعات من النقاشات والسجالات، خرج المجتمعون بالبيان المشترك التالي: "نؤكّد التزامنا بالتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، تستند إلى رؤية قوامها سوريا موحّدة وشاملة وديمقراطية... نؤيّد بشدّة قرار عقد مؤتمر جنيف حول سوريا بأسرع وقت ممكن".

لم يؤتَ حتى على ذكر الحاكم المستبدّ الذي تسبّب في هذه المأساة التي تتوالى فصولاً، ولا على ذكر إيران أو وكيلها "حزب الله"، والذين يبقون جميعهم تحت حماية فلاديمير بوتين.

 كان يجب أن يطالب البيان بمثول الأسد والمسؤولين عن شريكَيه في الإجرام، أي الحرس الثوري الإيراني ومرتزقة "حزب الله"، أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لكن وبدلاً من ذلك، حضّ "الحكماء والعظماء" النظام الإجرامي والمعارضة على السواء، على تدمير المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة"، والمقصود بذلك بشكل أساسي "جبهة النصرة" التي تحارب إلى جانب "الجيش السوري الحر"، وسواها من التنظيمات المعارضة.

البيان مجرد لغو في الكلام؛ إنه ورقة عديمة القيمة تكشف عن عجز شديد. بدلاً من الاعتداد بالنفس، الأجدى بكاميرون، مضيف القمة، أن يخبّئ رأسه عاراً، وكذلك جميع المشاركين الآخرين الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب نفوذ وشأن.

الأسوأ من ذلك، يبذل السيناتورات الأميركيون قصارى جهدهم لتعطيل قرار الرئيس أوباما بتسليح المعارضة، والذي جاء متأخراً جداً، في حين أن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في الغرب تفشل في محاسبة حكوماتها، مفضِّلةً التركيز على التظاهرات التي تشهدها البرازيل احتجاجاً على قرار رفع أسعار تذاكر الحافلات، والضباب الدخاني في سنغافورة، والطفلة التي رُزِقت بها كارداشيان.

غالباً ما تجنّد وسائل الإعلام كل طاقاتها للحديث عن حيوان أليف ضائع أو جنحة ارتكبتها جهة فردية، لكنها لا تجد داعياً للتوقّف في نشرات أخبارها عند حرمان نحو مئة ألف سوري، بين رجل وامرأة وطفل، من حقّهم في الحياة، وتهجير الملايين من منازلهم، فيما يكتفي قادة العالم بتبادل الأحاديث بينما يحتسون الشراب ويتناولون المقبّلات.

يبدو جلياً أن زهق أرواح السوريين لا يأتي في سلم الأولويات بالنسبة إلى الحكومات الغربية، التي تسمح للمجرم الأشد همجية في القرن الحادي والعشرين بأن يرتكب مجازر إبادة أمام عيوننا.

لم تتردّد الولايات المتحدة وحلفاؤها للحظة واحدة قبل اقتحام العراق، بالاستناد إلى ادّعاءات كاذبة عن وجود أسلحة دمار شامل، وتقديم هذا البلد الذي يُعتبَر مهد الحضارة العربية على طبق من فضة للملالي الإيرانيين.

لم يفكّروا مرّتين قبل اجتياح أفغانستان، للتخلّص من أسامة بن لادن كما ادّعوا، أو احتلال البلاد لمدّة 12 عاماً لإنقاذها من حركة طالبان كما قالوا، إلا أن الحركة لا تزداد قوّة وحسب، بل تستعدّ أيضاً للدخول في حوار مع إدارة أوباما من خلال فرعها في الدوحة.

لقد كانت حروباً عبثية وغير عادلة، وأسفرت عن نتائج مروِّعة مناقضة للأهداف التي شُنَّت من أجلها.

لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تكتفي بعقد المؤتمرات في الوقت الذي تواجه فيه سوريا كارثة إنسانية حقيقية تقتضي تدخّلاً طارئاً انطلاقاً من المبادئ الأخلاقية.

أمام هذا الواقع، لا يسعنا سوى التساؤل إذا كان بعض الرؤساء ورؤساء الوزراء الغربيين يتشاطرون سراً مشاعر المقدّم الإذاعي اليميني الأميركي غلين بيك، الذي أثار جدلاً بقوله "علينا أن نكف عن التدخل في الحروب في الشرق الأوسط. يبدو هذا مريعاً، لكن إذا كانوا سيقتلون بعضهم بعضاً، دعوهم يفعلون...".

من جهة أخرى، وإذا كان صحيحاً أن المسؤولين في أروقة القرار الغربية يتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية، بسبب اكتفائهم بالتشدّق بالكلام عن دعم المعارضة السورية، خوفاً على مصالحهم وصفقاتهم وتحالفاتهم واستراتيجياتهم العالمية، فإن الملامة الكبرى تقع على كاهلنا نحن العرب لأننا تخلّينا عن أشقّائنا السوريين.

لماذا علينا انتظار الغرباء أو الاتّكال عليهم كي يعالجوا شؤوننا العائلية؟ كيف لنا أن نرفع رؤوسنا بعدما تخلّينا عن واجبنا بالإصغاء إلى مناشدات الأمّهات السوريات، اللواتي يُقصَف أولادهن أو يُسجَنون أو يتعرّضون للتعذيب أو تُبتَر أعضاؤهم، وبعدما تجاهلنا مئات الآلاف الذين هربوا من بلادهم للعيش في خيم بانتظار من يتصدّق عليهم، وأشحنا نظرنا عن الجياع الذين يهيمون في المدن المدمّرة أملاً في العثور على مياه نظيفة أو رغيف خبز؟

إذا لم تأخذ جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة لمنع الإمعان في ممارسات النظام وعصاباته، بأي حقّ يمكننا إدانة الرئيس أوباما ورؤساء الدول الآخرين لتقصيرهم عن التعامل مع المسألة بالجدّية التي تستحقها؟ عندما تفشل حكوماتنا في رصّ صفوفها والقيام بتحرّك فعّال لحماية شعبنا، إنه لرياءٌ حقاً أن نطلب التدخّل من القوى الغربية.

ما نفع جيوشنا ودبّاباتنا وصواريخنا إذا لم نستخدمها لنجدة شعوبنا؟ مهمّة الجيش الأساسية هي الدفاع عن الأمة، الأمة العربية في حالتنا، وليس الاكتفاء باستعراض قوّته وسلاحه وفرق ضباطه خلال الأعياد الوطنية.

يؤسفني القول بأن الجامعة العربية أظهرت، كما مجلس الأمن الدولي، عجزاً عن ردع الأسد ومنعه من إراقة مزيد من الدماء البريئة.

لا يكفي تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وسحب السفراء من دمشق، فهذا لا يؤثر البتة في الأسد.

إذا أغمضنا عيوننا وصممنا آذاننا عن معاناة السوريين، كيف لنا أن نتوقع من حلفائنا أن يهبوا لنجدتنا إذا تعرضنا، معاذ الله، لهجوم من قوى أجنبية معادية؟ على قياداتنا أن تتدخل لوقف إرهاب النظام السوري، ليس فقط لأن الحق إلى جانبنا، بل أيضاً لتوجيه تحذير لأعدائنا بأنهم إذا تجاوزوا الخطوط الحمر، فعليهم أن يتحملوا العواقب.

قال جون راسكن "قوّة الدولة ونفوذها يتوقّفان بالكامل على عدد الرجال والنساء الأخيار فيها".

لطالما ناشدتُ حكوماتنا التحرك، لكنني لم أفلح في مسعاي، لذلك أدعو جميع الأخيار في البلدان العربية إلى أن يفتحوا قلوبهم ويتّخذوا موقفاً حازماً، ويصرخوا في وجه قياداتهم "جميعنا سوريون".

Email