أميركا ما بعد أوباما

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكننا أن نتصور ما ينتظرنا في عام 2017، وذلك بغض النظر عن نتيجة انتخابات التجديد النصفي لعام 2014، أو نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

لن تعود هناك عجوزات بقيمة تريليون دولار، حيث ستكون قرابة الـ10 تريليونات دولار قد أضيفت إلى الدين الوطني أثناء إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، إضافة إلى أكثر من 4 تريليونات دولار تراكمت خلال سنوات إدارة سلفه جورج بوش الثماني.

وذلك المبلغ المذهل، الذي راكمه الحزبان الديمقراطي والجمهوري، سيجبر الرئيس الأميركي المقبل على أن يكون صقراً عاجزاً، على الصعيدين المالي والسياسي على حد سواء.

وعلاوة على ذلك، لن تكون هناك برامج إنفاق فيدرالي جديدة هائلة، فلا تحفيز ثالثاً ولا رابعاً، ولا استحقاقات جديدة ضخمة. فالدين كبير للغاية، والناخبون سئموا من عمليات الاقتراض الكبرى، بحيث أن الرئيس الأميركي المقبل لن يتحدث عن «الاستثمارات»، وإنما عن موازنة الميزانية.

وفي عام 2016، سوف تخبرنا الرئيسة الأميركية المقبلة هيلاري كلينتون، أو الرئيس الأميركي المقبل ماركو روبيو، بأن خفض الإنفاق والعيش في حدود الإمكانيات أصبحا الموضة الجديدة.

وفي حال لم تفض ثماني سنوات من الاقتراض والطباعة والإنفاق وإقراض مبالغ طائلة من المال بفائدة 0%، إلى الانتعاش الاقتصادي، فإن نقيض ذلك كله سيشكل برنامج الجمهوريين الصريح وبرنامج الديمقراطيين الضمني.

وقد يبقى برنامج «أوباما كير» بالاسم، ولكن معظم أحكامه سوف تُلغى أو تُعدل، إذ إن التطبيق الكامل لهذا البرنامج في العام المقبل، سيؤدي إلى كل ما لم يكن من المفترض أن يحدث تقريباً: ارتفاع أقساط الرعاية الصحية، وتقنين الرعاية، وندرة الأطباء، وانخفاض عدد الوظائف.

ورغم ازدياد انبعاثات الكربون منذ عام 2000، فإن الكوكب لم يسخن خلال السنوات الـ15 الماضية. وسوف يواصل العلماء الجدل بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، غير أن السياسيين لن يستمروا في الحديث عن تطبيق سياسات «حد أقصى وتجارة مكلفة».

وفي حين أنهم سيواصلون إشادتهم بالطاقة الخضراء بصفتها طريق المستقبل، فإنهم لن يواصلوا دعمهم الهائل لإحلالها محل الوقود الأحفوري الأرخص منها بكثير.

وبدلاً من ذلك، عليكم توقع تجديد عقود النفط والغاز الطبيعي الفيدرالية في الأراضي العامة، فهنالك من اكتشافات الطاقة القابلة للاستخراج في الأراضي الفيدرالية، أكثر مما يسمح بالاستمرار في تأجيل إنتاجها الكامل، ما يعني وقوداً أرخص في محطات البنزين، واعتماداً أقل على دول الشرق الأوسط، وفرص عمل أكثر، ومالاً أوفر، ونمواً اقتصادياً أكبر.

ولا تتوقعوا المستوى نفسه من الزيادة في التأمين ضد العجز أو البطالة أو في كوبونات الغذاء، إذ لم يكن مسار أي من تلك البرامج مستداماً منذ عام 2009.

ورغم كل الحديث عن أن برنامجي «الضمان الاجتماعي» و«ميدي كير» ليسا في حالة سيئة، فإن الديمقراطيين والجمهوريين سوف يضطرون، بعد أوباما، إلى إنقاذ كلا البرنامجين، إما من خلال رفع سن الاستحقاق، أو تقليص بعض الفوائد، أو رفع الضرائب المفروضة على الرواتب، أو ذلك كله وأكثر.

وسوف ينبذ الرئيس الأميركي المقبل ذلك النوع من الحرب الطبقية، الذي لم يؤد إلا لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد، واستقطاب طويل الأجل.

وسوف يختفي مصطلحاً «القطط السمان» و«طبقة الـ1%» من المفردات الرئاسية، ولن نسمع مزيداً من الاتهامات بأن الأميركيين الناجحين لم يقوموا حقيقة ببناء شركاتهم، أو أنه كان حرياً بهم أن يعرفوا متى يتعين عليهم التوقف عن الربح لأنهم جنوا ما يكفي من المال.

وتوقعوا عكس ذلك تماماً: محاولات شبيهة بتلك التي شهدها عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، لإقناع الشركات الصغيرة بالبدء في الشراء والتوظيف والتوسع مجدداً.

وبغض النظر عن الضجة الحزبية التي ستثار حول ما إذا كانت سياسات أوباما مجدية - إذ سيقول الديمقراطيون إن الأمور كانت ستزداد سوءاً لولاهم، فيما سيصر الجمهوريون على أن الانتعاش الطبيعي تحول إلى ركود طويل الأجل - فإننا لن نشهد استمرار تلك السياسات.

إننا نضفي الطابع المؤسسي، بطريقة أوروبية، على حكومة كبيرة، ومعدلات بطالة مرتفعة، ونمو راكد للناتج المحلي الإجمالي، وعجوزات سنوية متسلسلة، ودين وطني متضخم، وتبعية هائلة، إلى جانب أسعار فائدة تقرب من الصفر.

وفي حين أن الحزبين سوف يختلفان على معالم هذا الاقتصاد الضعيف على نحو مزمن، فإنهما لن يختلفا على حقيقة ضعفه، أو حتى على أسبابه قريباً، ولن يرغب معظم الأميركيين في مواصلة السير على طريق إيطاليا أو إسبانيا.

يعتبر باراك أوباما شخصية بارزة، فهو شاب كاريزمي، يبدو «ما بعد قومي»، ويفترض أنه «ما بعد عرقي». وهو، لتلك الأسباب وحدها، يتمتع بمستوى من الدعم السياسي غير المتزعزع، الذي لا يستند إلى السجل الفعلي لفترة توليه رئاسة أميركا، فمعظم الأميركيين يتذكرون باعتزاز أنه فاز بجائزة «نوبل»، ولكنهم لا يعرفون تماماً ما فعله ليستحقها.

وبعيداً عن العاطفة، فإنه سيتم الاعتراف بأن سجل أوباما الاقتصادي يماثل سجل سلفه جيمي كارتر. ولكن خلافاً لكارتر، فإن أوباما سيظل يمثل شخصية أسطورية في الدوائر الليبرالية.

وكما قيل في أحد الأفلام الكلاسيكية الغربية: «عندما تصبح الأسطورة واقعاً، قم بنشرها».. ولذا فإننا سنفعل ذلك تماماً.

 

Email