تجربة دبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

"الإصلاح الإداري في دبي كان تجربة لكنه الآن مدرسة. توجد طرق عدّة لإنجاز مهمة ما، ونحن اخترنا تطوير مدرسة إدارية متميزة عالية الأداء بأسلوب حضاري" (محمد بن راشد آل مكتوم).

هي تجربة أصيلة وغنية ومتجددة، تجربة محلية الأسس والمنطلقات، عربية الأبعاد والتوجهات، عالمية الرؤى والتطلعات.. تجربة عنوانها التنمية الشاملة والازدهار المستدام، والتكامل البنّاء، والمحبة الخالصة والاحترام المتبادل، إنها قصة نجاح حقيقية، تجسد واقعاً حيّاً يلمسه كل مواطن ومقيم وزائر إلى دبي. فخلال سنوات بسيطة من عمر الزمن لم تزد عن الخمسين عاماً، تحولت دبي من بلدة صغيرة وادعة على ساحل الخليج العربي، إلى مدينة عالمية تعج بالحركة والحياة والنشاط، مدينة زاد عدد سكانها عن المليونين بعد أن كان 50 ألف نسمة فقط، مدينة يزورها 10 ملايين سائح سنوياً، ويؤم مطاراتها الدولية ما يزيد عن 60 مليون مسافر سنوياً.

أذكر أنني كنت عائداً من مؤتمر علمي في إحدى الدول العربية عام 2004، ولما علم المسافر المسن الذي بجانبي أنني أعمل في حكومة دبي، قال لي إنه قد التقى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ليسأله عن تصوره المستقبلي لدبي ليرسم مخططاته العمرانية بناءً على ذلك التصور، وقد تحدث الشيخ راشد، رحمه الله، في ذلك الوقت للخبير عن دبي المستقبل، عن دبي اليوم بنموها وتطورها ومرافقها وبنيتها التحتية.. كان الخبير في ذلك الوقت متشككاً في صحة ومدى دقة وواقعية وإمكانية تحقيق تصورات الشيخ، ولقد أثبتت الأيام صدق رؤى الشيخ وخطأ استنتاجات الخبير.

إنها الرؤية المستنيرة والقيادة الملهمة والعمل الدؤوب والشراكة البناءّة، التي صنعت هذه الأيقونة المعجزة على رمال الصحراء العربية، هذه المدينة العربية التي طافت شهرتها الآفاق، فأصبحت مهوى القلوب والأفئدة وقبلة الراغبين في تحقيق أحلامهم وبناء مستقبلهم. هذه الرؤية الملهمة التي يتوارثها قادة الإمارات كابراً عن كابر وجيلاً بعد جيل، هي التي صنعت الفرق بين النجاح والفشل، بين التقدم والتخلف.

لا يمكنني في مقالة موجزة أن ألمّ بكل جوانب نجاحات دبي، فهذا يحتاج إلى كتب و مجلدات، ولكنني سأركز على جانب واحد من جوانب نجاح دبي، وهو تطور الإدارة الحكومية فيها.

تشرفت بالعمل في حكومة دبي منذ منتصف الثمانينات، معاراً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لبلدية دبي للعمل في مشروعٍ لدعم قدراتها المؤسسية، وعلى مدى هذه السنوات في العمل الحكومي، عشت وشاهدت وتابعت عن كثب هذه النقلة النوعية في أداء وخدمات القطاع الحكومي في دبي، وتطور أساليبه والارتقاء ببيئة عمله وطريقة تفكير قادته ومديريه وموظفيه. لقد عشنا وشهدنا نقلة نوعية، بل ثورة إدارية كاملة في الإدارة الحكومية.

فمن إدارة حكومية تقليدية دون أنظمة أو أدلة أو منهجيات أو هياكل مرجعية، إلى إدارة تملك كل مقومات النجاح؛ بأنظمة عملها الحديثة ومنهجياتها المتطورة، وهياكلها المتكاملة وأدلتها المرجعية.. ومن إدارة تقليدية تفتقد أبسط مقومات الريادة والمبادرة والإبداع، إلى إدارة حكومية تزخر بالإبداع والمبدعين، وتمتلك روح الريادة، وتأخذ بزمام المبادرة في مشاريعها ومبادراتها التنموية الشاملة..

ومن إدارة تقليدية لا تخطط للمستقبل ولا تعرف القياس، إلى إدارة تنظر إلى المستقبل برؤية واضحة، إدارة تخطط استراتيجياً وتطبق ما تخطط له، وتقيس بانتظام مدى تقدمها في إنجاز برامجها وخططها ومشاريعها..

ومن إدارة حكومية تقليدية لا تهتم بالموظفين ولا تخطط لهم مساراتهم الوظيفية ولا تدربهم حسب أسس علمية سليمة ولا تتواصل معهم بشفافية، إلى إدارة حكومية تهتم بالإنسان، وتمكِّن الإنسان، وتدربه وتحرص على التواصل معه.

إنني أعتقد مخلصا أن موظفي حكومة دبي يعيشون اليوم العصر الذهبي للإدارة الحكومية، فالفرص موجودة والميدان مفتوح والدعم والتكريم متوفران لكل مجتهد ومبدع ومتميّز.

لقد انتقلنا من إدارة حكومية تقليدية، لا تعتني بالمتعاملين ولا تهتم بمعرفة متطلباتهم ومدى رضاهم، إلى إدارة تضع المتعاملين أولاً وتحرص على تحقيق متطلباتهم وتتجاوز توقعاتهم، وتعمل على تطوير الخدمات المقدمة إليهم باستمرار لتحقق رضاهم، وتضمن إسعادهم. وتفخر حكومة دبي وجميع العاملين فيها، بما قد حققته من مستوى رضى المتعاملين عن خدماتها، وتنشر ذلك سنويا.

فقد بلغت نسبة رضى المتعاملين عن خدمات حكومة دبي مستوى متقدما بلغ 84% عام 2011، وسوف يتم الإعلان عن نسبة الرضى لعام 2012 خلال حفل برنامج دبي للأداء الحكومي المتميّز، الذي سيشرفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،رعاه الله، اليوم 9 إبريل 2013.

لقد أصبحت حكومة دبي الآن مدرسة يتعلم منها الجميع في مجال الإدارة والجودة والتخطيط، وغدت دوائرها بيوت خبرة متخصصة في مجالات عملها الفني والإداري.

لقد أعلمني أحد مديري الحكومة أن دائرته استقبلت ما يزيد على 200 وفد خلال عام 2012، كل هذه الوفود جاءت للاطلاع والتعرف والتعلم من أفضل الممارسات الإدارية المتخصصة في هذه الدائرة الحكومية الفتية.

ومؤخراً اتصلت بالبرنامج المؤسسة الأوروبية للجودة الشاملة، مبدية رغبة عدد من منتسبيها في القدوم إلى دبي للاطلاع على تجربتها الرائدة عالمياً في مجال الإدارة والتميز.. إنني متأكد أن دوائر حكومة دبي جميعاً قادرة على إبهار زوارها حتى الأوروبيين منهم، بما تقدمه من خدمات وما تطبقه من أساليب وما تنفذه من برامج ومبادرات.

لقد كانت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،رعاه الله، في إطلاق برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز عام 1997، الشرارة التي أطلقت عنان الإبداع والتميز والتفوق الحكومي في دبي.

استنَّ سموه سُنَّةً حَسَنة في الفكر الإداري، وأهدى للإنسانية أول برنامج متكامل للتميز الحكومي في العالم، برنامج امتد تأثيره من دبي إلى الإمارات والمنطقة العربية، وأصبح معروفاً على المستوى العالمي. إ

نها سُنَّةً حَسَنة وفكر إنساني قيادي، ساهم في البناء والتطوير وحقق المنفعة الإنسانية. لقد كانت البدايات بسيطة، ولكن النتائج مبهرة ومتفوقة ومستدامة، فالقطاع الحكومي وبكل فخر الدنيا وتواضع الإنسانية، أصبح قطاعاً يقود قاطرة التنمية الشاملة، قطاعاً متجدداً ومبدعاً، يخطط للمستقبل ويقود بالنتائج ويهتم بالإنسان ويخدم المتعامل على الوجه الأمثل.

"في السباق نحو التميز ليس هناك خط للنهاية"، هذا قول مشهور لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،رعاه الله، يجسد الفهم الواضح والإدراك الصحيح لعمليات التطوير والتحسين، فهي عمليات مستمرة ومتواصلة ومستدامة.

فنحن نعيش عصر المنافسة الشرسة والمتغيرات المتلاحقة، ولا يجوز أبداً أن نقول إننا حققنا النجاح والتميز لنرتاح أو نتباطأ أو نتوقف، ففي ذلك وصفة سحرية للتراجع إلى الصفوف الخلفية، وهذا ما لن تقبله قيادتنا الرشيدة التي تحرص أن نكون دائما في المركز الأول.

 

Email