شكراً عبدالله السالم الصباح

ت + ت - الحجم الطبيعي

أبصرت النور فيها، وهي سريري الأول الذي ضمني والحضن الدافئ الذي احتضنني، والحديقة الأولى التي تعلمت المشي واللعب فيها، ومدرستي الأولى التي تعلمت فيها "مع حمد قلم"، وكنت أردد من خلالها "عاشت الكويت"، وفيها تعلمت حب الوطن وتكوين صداقاتي الطفولية، وتنقلت بين مراكبها الواقفة على بحر نقعة الشملان، وفي برها البارد في الشتاء تعلمنا معنى فاكهة الشتاء وتدفأنا منها.

ومن أهم الأدوار التي لعب آخرون في حياتي، دور والدي المرحوم ماجد محمد السري عندما كان موظفاً في بدالة قصر السيف، حيث كان مترجماً للبرقيات، وكان يصطحبني معه منذ أن كان عمري شهوراً إلى قصر السيف.

 وكان والدي يقول لي إنني في إحدى المرات قابلت الشيخ عبدالله السالم الصباح، رحمه الله، عندما كان أميراً للكويت وقبل وفاته بعدة شهور، وأخذ يدللني ويلاعبني بعطف الأبوة، وهذه اللفتة الكريمة منه، أعطتني الدافع لكي أتابع هذا الإنسان الذي أخذت أقرأ عنه بعد ذلك، وأتعرف على جهوده في التنمية، من خلال الطوابع البريدية التي كانت تصدر آنذاك في الكويت، وتقول والدتي إن أغلب طلاب الإمارات حينها كانوا يظنون أن عبدالله السالم هو أميرهم، من خلال الصورة التي كانوا يشاهدونها على كراس الواجبات اليومية.

ومن ضمن ما قرأت عنه مقال بقلم عبدالله علي الصانع، في مجلة "كاظمة" الكويتية سنة 1949، قال فيه: "ما جئت مجلس الأمير الجليل والشيخ الوقور عبدالله بن سالم الصباح، إلا ويسألني عن عمان في ماضيه وحاضره، وقد قال لي ذات يوم إن عُمان حافل بالحوادث التاريخية، ولكننا مع الأسف لا نعرف عنه شيئاً ولم يكتب أحد عن تفاصيل أخباره بما يشفي المتطلع إلى ذلك القطر الشقيق".

بعد هذا الوصف والسؤال عن أهل عمان التي كان يقصد بها الإمارات المتصالحة، فقد أراد أن يبحث في تاريخ واحتياجات المنطقة، وبعد حكم للكويت وخلال سنة قام بزيارة إمارة الشارقة التي كان يحكمها آنذاك الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، في نوفمبر 1951.

وكانت الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم الكويت للمنطقة، فأقيمت الاحتفالات لاستقباله في قصر الحصن الواقع الآن في منتصف الشارقة (والذي شاهدت صوره عبر مجلة "العربي" التي أرخت لهذا الحصن سنة 1960). ومن ضمن الاحتفالات قام المدرس والمربي أحمد محمد بورحيمه الزعابي، بتدريب الطلبة للقاء الشيخ الضيف.

وقد علمت هذا من خلال برنامج "الراوي" الذي يعده ويقدمه الزميل جمال حويرب المهيري عبر مؤسسة دبي للإعلام، ويقول المرحوم أحمد بورحيمه في إحدى حلقاته: علمت بمقدم الشيخ عبدالله السالم الصباح، فقررت أن أدرب الطلبة وألبسهم الكندورة والغترة والعقال إبان زيارته.

وأعد المربي أحمد بورحيمه كلمة، وطلب من الطالب حينها تريم عمران (رحمه الله) أن يلقي كلمة الطلبة أمام الشيخ، فرحب فيها بحاكم الكويت وطالب من خلالها بالنظر في التعليم في الشارقة، وقال أمير الكويت: "طلبكم مجاب" وقد حولناه إلى الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس معارف الكويت.

وقد أخبرني بذلك والدي المرحوم ماجد السري، الذي قال لي عن تلك الزيارة: كنا فرحين بهذه الزيارة واصطففنا خارج القصر لاستقبال الضيف الكبير، وكان معنا نصر الطائي مدرس اللغة الإنجليزية والمربي الفاضل عبدالله القيواني مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية، وكان أحمد بورحيمه يشجعنا على الانضباط والوقوف عند لقاء الشيخ، وكانت هذه الزيارة التاريخية دافعاً لأن أسافر للكويت عام 1952.

وقد ورد ذكر هذه الزيارة في كتاب "سرد الذات" لمؤلفه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

وعن آثار تلك الزيارة يقول صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي: "وفي شهر مارس 1952 زار المدرسة القاسمية وفد تربوي من الكويت، يتقدمهم يوسف الفليج وهو من كبار التجار في الكويت، للاطلاع على مستوى التعليم وعدد الطلاب، وقد أقيم حفل ترحيبي وألقيت كلمة ترحيبيه باللغة الإنجليزية".

تلك كانت شرارة التعليم النظامي في الإمارات، وأعني بها أن زيارة شيوخ الكويت جاءت بالخير الكثير لأهل الإمارات، وخاصة الشارقة، ولكن الخير كان قد بدأ يعم على الجميع، ومن هذه الشرارة انطلق تعليم الطلاب والطالبات على حد سواء.

ولن ننسى هذا الفضل، بعد فضل الله سبحانه وتعالى، حيث كانت تلك أوامر الشيخ المرحوم عبدالله السالم الصباح وأوامر الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ولا بد أن ينسب الفضل إلى أهله.. ولن تنسى الإمارات هذا الجميل لأهل الكويت، وسوف نردد معهم "وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد"..

أتمنى لأهلي وإخواني الكرام أهل الكويت، قيادة وحكومة وشعباً، كل الخير والنماء، في ظل قيادة الشيخ صباح الأحمد الصباح.

 

Email