الدين الأميركي يبتلع كل القطط

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما بينما كان لا يزال عضوا في مجلس الشيوخ ومرشحا للرئاسة إنه قد ضاق ذرعا بعجوزات الميزانية الأميركية، وفي عام 2006، عندما وصل إجمالي الدين الوطني إلى أقل بمقدار 8 تريليونات دولار مما عليه اليوم، هاجم أوباما بشدة اقتراض الرئيس الأميركي السابق جورج بوش المزمن ، ورفض الاقتراع لصالح رفع سقف الدين.

وقال:" إن زيادة دين أميركا تضعفنا داخليا ودوليا، والقيادة تعني أن الدين يتوقف عند هذا الحد.". وفي عام 2008، واصل أوباما مهاجمة اقتراض بوش الكينزي المتواصل قائلا:" المشكلة هي أن الطريقة التي قام بوش من خلالها بإنجاز الأمر على امتداد السنوات الثماني الماضية ، هي أخذ بطاقة ائتمان من بنك الصين باسم أبنائنا ، بحيث أننا الآن نتحمل دينا يبلغ 9 تريليونات دولار سنضطر لتسديده بمعدل 30 ألف دولار لكل رجل وامرأة وطفل، وهذا شيء غير مسؤول وغير وطني".

تلك كلمات قوية ، ولكن أوباما كان قلقا للغاية فيما يتعلق بالدين لأنه بعد توليه منصبه بأسبوعين فحسب، وعد بالمزيد حيث قال:" ذلك هو السبب في أنني أتعهد اليوم بخفض العجز الذي ورثناه بمعدل النصف بحلول نهاية فترتي الرئاسية الأولى .. وأنا أرفض ترك أطفالنا مثقلين بدين لا يمكنهم تسديده".

لقد أضاف أوباما في فترة رئاسته الأولى ما يزيد على 5 تريليونات دولار للدين الوطني الأميركي ، حيث اقترض في 4 سنوات ما يزيد على ما اقترضه بوش "غير المسؤول" و"غير الوطني" في 8 سنوات.

وفي حقيقة الأمر، فإن من المقرر أن يضيف أوباما المزيد إلى الدين الإجمالي في نهاية فترتيه الرئاسيتين أكثر مما أضافه كل الرؤساء الأميركيين السابقين مجتمعين. ما الذي حدث للقلق على ترك أطفالنا ب" دين لا يمكنهم تسديده؟" وإلى أين تمضي كل الأموال التي يتم اقتراضها في ضوء أن الحرب في العراق قد انتهت منذ ما يزيد على العام ، ونحن نوشك على مغادرة أفغانستان؟

ما الذي يفسر إذا الهوة الكبيرة بين خطاب أوباما السابق وسجله القياسي في العجوزات؟

لا بد أن أحد شيئين قد حدث. الاحتمال الأول هو أن أوباما ومستشاريه قد اعتقدوا حقا أن الرقم القياسي في الإنفاق بالعجز ومعدلات الفائدة التي تقترب من الصفر ، والتوسعات في الاستحقاقات الفيدرالية سوف تقفز بالاقتصاد الأميركي إلى الرخاء، وفي حقيقة الأمر أن العكس هو الذي حدث، فقد واصل النمو الاقتصادي التحليق حول أو أدنى من 2% من إجمالي الناتج المحلي. والبطالة لم تنخفض إلا أقل من 7.8% خلال رئاسة أوباما بكاملها، والاقتراض الهائل جعل الأمور أسوأ وليس أحسن.

والتفسير الثاني لسلوك أوباما "غير المسؤول" و"غير الوطني" هو أنه عند منعطف ما بدأ يرى المزايا السياسية في الاقتراض الهائل عندما يتوافق مع معدلات فائدة قريبة من الصفر ونمو الاستحقاقات هو أمر يحظى بشعبية لدى الكثير من الناخبين، وخاصة في ضوء أن 47% منهم لا يدفعون ضرائب دخل اتحادية.

وعلى الصعيد السياسي فإنه من الأكثر حكمة تقديم أقراص منع حمل مجانية مقارنة بأن يكون المرء ديماغوغيا، بحيث يرغب في إلقاء الجيل المتقدم في العمر في الهاوية. من الذي يريد خوض انتخابات استنادا إلى إعطاء أشياء أقل للناخبين وجعل الجميع يدفع أكثر مقابل ما يحصل عليه؟

ربما كان من الممكن إنهاء المفهوم العائد لعصر الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان عن تحصيل الضرائب الأقل قيمة من خلال شعور بالكارثة الوشيكة. وكما عبر رئيس موظفي البيت الأبيض السابق رام إيمانويل عن الأمر :" إنك لا تدع أزمة خطيرة تمضي بلا عائد، وما أعنيه بذلك هو أنها فرصة للقيام بأمور تعتقد أنه لم يكن بمقدورك القيام بها في السابق".

لقد دعا ريغان في وقت من الأوقات إلى فلسفة "جوع الوحش" أي الضرائب الأكثر انخفاضا التي تسفر عن وقود اقل لحكومة تنطلق بلا قيد، وقد غير أوباما هذا السياق إلى الحكمة القائلة "ضيق على الوحش"، والمقصود به هنا حكومة لا تخضع لأي سيطرة تطالب بالمزيد من الضرائب.

والضرائب الأكثر ارتفاعا التي تتجه بثقل كبير إلى الأغنياء تنشر الثروة وتصحح اختلالات التعويض القائم على نظام السوق، وهي تلحق العقاب بنسبة ال 1% الموجودة على قمة المجتمع الأميركي. وهي تذكر البعض بأنهم لم يقوموا ببناء شركاتهم اعتمادا على أنفسهم. والعجوزات تفرض عملية إعادة توزيع الدخل من خلال التغييرات في النظام الضريبي التي كان يمكن في أي مناخ سياسي آخر أن تبرهن على استحالتها.

ولكن عليك بالتزام الحذر مما تتمناه، فأوباما قد حقق بالفعل حلمه بحكومة موسعة إلى حد كبير وبنظام صحي يتسم بالطابع الاتحادي، وبمعدلات فائدة تقترب من الصفر، وبدين قياسي يفرض ضرائب أعلى، والمشكلة الآن هي أنه ليس هناك ما يكفي من أصحاب الملايين والمليارات لتعويض النقص ولأن معدلات الفائدة ارتفعت قليلا فحسب، فإن الدين سيدفن جميع الأميركيين بما في ذلك القط السمان والعجاف على السواء.

 

Email