أميركا ودروس عام 2012

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد العام 2012 انتصاراً للواقع المرير على الأحلام الوردية. ففي عام 2008، فاز الرئيس الأميركي باراك أوباما في الانتخابات بسبب رسالة تغيير متفائلة، حملت أملاً بأن يمثل أول رئيس أسود لحظة تحرر في تاريخ أميركا. وبعد مرور أربع سنوات، تلاشت الأوهام.

وفي أوقات اقتصادية كئيبة باستمرار، لم يرشح أوباما نفسه للانتخابات بناءً على إنجازات فترته الرئاسية الأولى، بما في ذلك برنامج "أوباما كير" وعمليات الإنقاذ والتحفيزات المالية والعجوزات الكينزية الضخمة، ولا على المزيد من الوعود الطوباوية.

وبدلاً من ذلك، صورت حملة أوباما بشكل منهجي، منافسه ميت رومني، وهو أحد رجال المال في وول ستريت، على أنه قرصان مالي إجرامي متآمر اقترف أشياء شريرة، بدءاً من ترك الأشخاص الذين لا يشملهم التأمين يموتون، ووصولاً إلى وضع كلبه "شيموس" في قفص فوق سيارة العائلة.

وقال أوباما يوماً إنه يود أن يشكل صورة طبق الأصل للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، من خلال إقناع الأميركيين بالتوجه يساراً، كما أقنعهم ريغان الشعبي بالتوجه يميناً.

وعوضاً عن ذلك، فقد علمنا عام 2012 أن أوباما الحذر، يعتبر أقرب إلى الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون البارع، الذي استخدم أيضاً جميع الوسائل الضرورية لكي يعاد انتخابه على أساس أن منافسه سيكون أسوأ منه.

ولكننا نعرف ما حدث في نهاية المطاف لنيكسون الفائز في مرحلة ما قبل فضيحة "ووترغيت"، بعد نوفمبر من عام 1972. فماذا ستكون عواقب الفوز القبيح الذي حققه أوباما خلال فترته الرئاسية الثانية؟

يقدم ما يسمى بالهاوية المالية مزيداً من الأمثلة على أحلام عام 2012، التي باتت تفسح المجال للواقع. فمن المرجح أن أوباما سيفرض ضرائبه التي طال انتظارها على الأغنياء، ولكن ما الذي سيعنيه ذلك؟ ليس هناك ما يكفي من "المليونيرات والمليارديرات" الكاريكاتوريين، لخفض عجز إدارته الخامس على التوالي، والبالغ أكثر من تريليون دولار.

وفي المقابل، فإن كل ما تبقى لأوباما، هو إما أن يسير نحو الهاوية أو أن ينتظر اقتراح الجمهوريين للتخفيضات اللازمة في الاستحقاقات، حتى يتسنى له أن يوافق على مضض على كل تلك التدابير الموفرة للميزانية، ويشوه، في الوقت نفسه، صورة أولئك الذين يهددون "الفئات الأكثر ضعفاً".

وليست خرافة التعاون بين الحزبين هي ما سيوقف عمليات الاقتراض الهائلة، ولكن ما سيوقفها هو واقع عودة أسعار الفائدة المرتفعة، الذي من شأنه أن يجعل التباهي الحالي غير ممكن.

ما الذي تعلمناه من قتل الأميركيين في بنغازي؟ لقد تعلمنا، حتى الآن، أن وهم سجن مخرج قبطي لبثه مقطع فيديو معادياً للإسلام، تغلب على واقع تحميل الإدارة الأميركية مسؤولية السماح بتراخي الأمن، والرد بضعف على مجزرة أثارها هجوم إرهابي مسبق التخطيط على مقر دبلوماسي أميركي. ومع انتهاء 2012، أطلق شاب مختل عقلياً يبلغ من العمر 20 عاماً، النار على 26 طفلاً وبالغاً في مدرسة "ساندي هوك" الابتدائية في نيوتاون، بولاية كونيتيكت.

وقد أدان الأميركيون وصول القاتل إلى ترسانة والدته المقتولة لارتكاب جريمته البشعة، إلا أن حظر بيع الأسلحة الهجومية لن يمنع، على الأرجح، وقوع مجزرة مماثلة لتلك التي شهدتها نيوتاون، أكثر مما منع حظر سابق مجزرة مدرسة "كولومبين"، ما لم تكن الحكومة الفيدرالية مستعدة لدخول المنازل الأميركية، ومصادرة الملايين من الأسلحة شبه الأوتوماتيكية والهجومية المشتراة سابقاً.

ويعتبر اتخاذ خطوات نحو حل أكثر واقعية - بما في ذلك منع هوليوود من إضفاء طابع رومانسي على القسوة والعنف غير المبررين، ومراقبة ألعاب الفيديو المريضة والمروعة، وتقييد بعض حريات الأشخاص المرضى عقلياً، ووضع حراس أمن مسلحين في المدارس - لعنة على الحريات المدنية، بقدر ما يعتبر حظر بعض البنادق دواءً لكل داء.

ولذا فإننا نتحدث كالواعظين، في انتظار المذبحة المقبلة! وفي فبراير الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي بوقار، عن عملية إنقاذ ثانية وأخيرة، بقيمة 130 مليار يورو لليونان، وعن حل واضح لأزمة الديون الأوروبية الجنوبية.

ولكن ها هو العام قد انقضى واليونان أكثر فقراً ومديونية من أي وقت مضى. ولم يتمثل الحل المناسب يوماً في مساعدة اليونان ببعض اليوروهات الألمانية، ولكن في السؤال عن السبب في أن نظام الاتحاد الأوروبي سمح لليونان، وغيرها من دول البحر الأبيض المتوسط، بأن تغرق في الديون لفترة طويلة، في المقام الأول.

وفي 30 يونيو الماضي، أدى الرئيس الإصلاحي المفترض محمد مرسي، اليمين الدستورية ليتولى رئاسة مصر الديمقراطية الجديدة، وسط خطاب مهيب عن الربيع العربي. ولكنه، في نوفمبر الماضي، أخرج من مكتب الرئاسة منافسيه العلمانيين في القضاء، وعلق سيادة القانون. كما أنه، منذ أيام، ومن خلال تصويت شعبي، أشرف على اعتماد دستور يجعل الشريعة مصدراً للتشريع. ونظراً للفوضى في ليبيا وسوريا، وقتل الأميركيين في بنغازي، فقد أنهى شتاء 2012 القاسي، ربيع 2011 العربي الحالم.

ومع نهاية العام، تظهر علامات تنذر بانهيار مالي وشيك في الداخل. وفي الخارج، نرى كوريا شمالية نووية أكثر انعزالاً، وتحالفاً جديداً ضد إسرائيل، واتحاداً أوروبياً نازفاً، وألمانيا أكثر قومية، وياباناً مصممة على تحقيق الأمن بعيداً عن ضمانات أميركا القديمة والمشكوك فيها، مع ذلك، على نحو متزايد.

وينبغي لعام 2012 أن يكون قد علمنا أن الحلم لا يشكل حلاً للواقع، ومن شأن عام 2013 أن يحدد مدى استفادتنا من ذلك الدرس.

 

Email