اليهود في العالم وتراجع الفكرة الصهيونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشير العديد من الدراسات والمعطيات الموثقة، والصادرة عن مراكز أكاديمية مرموقة، إلى انخفاض أعداد اليهود في العالم بشكل عام. فقد كانت أعدادهم عام 1970 تقارب 17 مليوناً، لكنهم الآن باتواً تقريباً نحو 13 مليوناً، وعلى وجه التحديد (13.428.300) نسمة، موزعين على امتداد المعمورة، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية التي تضم عدة ملايين من المواطنين الأميركيين من معتنقي الديانة اليهودية.

فهناك الآن يهودي واحد من بين كل 510 أشخاص على وجه الكرة الأرضية، وذلك وفق التقرير المفصل عن اليهود في العالم الذي أعده الديمغرافي اليهودي البروفيسور "سيرجيو دي لا فرغولا" في القدس المحتلة. ويذكر في هذا السياق أن عدد سكان الدولة الصهيونية من اليهود يبلغ نحو 5.7 ملايين نسمة، يشكلون 42.5٪ من عموم اليهود في العالم، بينما يقيم نحو 5.2 ملايين يهودي كمواطنين في الولايات المتحدة الأميركية.

وعليه فإن أعداد اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة تشكل الآن نحو 82٪ من عموم اليهود في العالم. ولتراجع وانخفاض أعداد اليهود في العالم أسبابه المختلفة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ"التماثل"، والمقصود به الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم من أبناء مجتمعاتهم الأصلية التي يقيمون فيها، حيث تدل المعطيات على أن نسبة الذوبان في روسيا وصلت إلى 70٪، وفي أميركا الشمالية نحو 50٪، وفي أوروبا الغربية 45٪، حيث أمست مصادر الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية تتحدث عن إشارات عدة لترك اليهودية.

وهم يخشون حتى من اضمحلال يهود أميركا. وتشير المعطيات المنشورة إلى أن معدل اليهود ممن يتزوجون من غير اليهود، يبلغ أكثر من 42٪. وفي الولايات المتحدة يدور الحديث عن أكثر من 50٪ من الزيجات، بينما في روسيا 70٪ من النساء وليس أقل من 80٪ من الرجال اليهود، يختارون الزواج من غير اليهود.

وفي السبب الثاني لتراجع عدد اليهود، يمكن القول إن هناك تحولاً داخل الأوساط اليهودية في بلدانها الأصلية، بدأ يحفر أخاديده على أرض الواقع من خلال ارتفاع نسبة الزواج المختلط، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية. أما ثالث الأسباب فيعود للمغادرة المتزايدة للشباب اليهودي في العالم لفكرة الانتماء إلى إسرائيل.

وتراجع الفكرة الصهيونية، وهو أمر يدفع نحو الاختلاط وزيادة الزواج وحالة التماثل، وتفكك الغيتو اليهودي، واضمحلال الجمهور اليهودي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية.

وفي هذا الإطار فإن كل المؤشرات تنحو للاستنتاج بأن المواطنين اليهود في العديد من بلدان العالم، باتوا يفضلون الهجرة من بلدانهم الأصلية ولكن ليس إلى إسرائيل. ففي فرنسا مثلا، يفضلون كندا في حال رغبتهم في الهجرة، واليهود من جنوب أميركا يفضلون أستراليا، ومن الأرجنتين يفضلون مدن الساحل الغربي لأميركا على تل أبيب.

ولا تخفي مصادر الوكالة اليهودية رغبتها الجامحة لدفع يهود فرنسا على وجه الخصوص، للهجرة الجماعية نحو الكيان الصهيوني، مع توافر ثلاثة عوامل محبذة وراء ذلك، من حيث التعداد النسبي العالي ليهود فرنسا البالغ عددهم نحو 600 ألف أولاً.

وقوة نفوذه هذا التجمع في المؤسسات الفرنسية الرسمية وغيرها، ونفوذ اللوبي اليهودي في فرنسا مع تعدد المنظمات اليهودية المنتشرة هناك، والسطوة الواضحة للاتجاه اليهودي الأرثوذكسي وأهدافه المتقاطعة مع اليمين الإسرائيلي، بشقيه العلماني والتوراتي ثانياً، وتأثيره العالي في الدائرة الأوروبية ثالثاً.

في هذا السياق، نشير إلى أن موجات الهجرة اليهودية الاستعمارية الاستيطانية الإجلائية الأعلى، التي وصلت إلى الكيان الصهيوني منذ ما قبل تأسيسه على أرض فلسطين، كانت قبل عقدين من الزمن من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتحديداً من روسيا ودول البلطيق ومولدافيا وأوكرانيا،.

وقد بلغت قرابة مليون يهودي خرجوا، ليس لأسباب لها علاقة بالانتماء التوراتي الميثولوجي لأرض الميعاد، بل لأسباب اقتصادية بحتة لها علاقة بالسعي لتحسين أوضاعهم، أو اتخاذ الكيان الصهيوني معبراً للهجرة نحو الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب الأوروبي. وعليه، فإن موجات الهجرة الكبرى التي تمت بدايات تسعينيات القرن الماضي من دول الاتحاد السوفييتي السابق، رفعت أعداد اليهود على أرض فلسطين التاريخية لنحو خمسة ملايين.

 ومع ذلك، فإن حالة الانفصام تضرب الآن مفاصل الكيان الصهيوني، الذي بات يضم موزاييكاً من القوميات المتضاربة في نشوئها وفي تاريخها، والتي لا يجمعها سوى الديانة اليهودية، حيث تسعى إسرائيل والحركة الصهيونية لخلق رابطة مزورة بين جميع اليهود تحت عنوان زائف هو "القومية اليهودية". فاليهودية دين وليست قومية في نهاية المطاف.

إن يهود الاتحاد السوفييتي السابق الموجودين الآن على أرض فلسطين يحاولون إعادة إنشاء الغيتو مرة ثانية، منغلقين حتى عن يهود باقي بلدان العالم، لدرجة أنهم أسسوا إذاعاتهم وصحفهم الخاصة، وحتى حزبهم الخاص المسمى بحزب "إسرائيل بعليا" أو حزب "إسرائيل بالهجرة"، بقيادة المتطرف اليهودي الأصل أفيغدور ليبرمان، ومن قبله اليهودي الروسي ناتان شارانسكي.

وخلاصة القول، إننا أمام مشروع صهيوني بات يتدحرج الآن وقد وصل إلى ذروته، ويقدر له أن يواصل تلك الدحرجة التي يكمن تسريعها بالفعل الكفاحي الحقيقي للشعب العربي الفلسطيني، ومن ورائه القوى الداعمة له قولاً وعملاً.

 

Email