مصادفات تتكشف بعد الانتخابات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعنة الفترة الثانية من ولاية الرئاسة الأميركية، تسير على هذا النحو: رئيس (على سبيل المثال رؤساء أميركا السابقون: ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وبيل كلينتون وجورج بوش... إلخ) يفوز بولاية رئاسية ثانية، ولكن بعد ذلك تنهار رئاسته على مدى السنوات الأربع التالية، حيث تغرق في فضائح أو كوارث مثل ووترغيت وكونترا إيران ومونيكا لوينسكي، وعمليات عسكرية في العراق وإعصار كاترينا.

على ما يبدو، على غرار أبطال التراجيديات اليونانية، تزداد الإدارات عجرفة بعد فوزها بإعادة الانتخاب، فهم يعتقدون أنهم لا يقهرون، وأن موافقتهم العامة دائمة وليست متقلبة. والنتيجة هي أن المغرورين يفضي بهم الحال إلى نهاية مأساوية وبطفرة تصحح غطرستهم. أم أن المشكلة في بعض الحالات هي المواقف المحرجة والفضائح، التي يتم التكتم عليها خوفاً من أنها ربما تكلّف الإدارة خسارة الانتخابات، وتنفجر بضراوة في فترة الولاية الثانية؟

بالصدفة سمعنا بعد الانتخابات مباشرة، أن إيران هاجمت طائرة أميركية موجّهة عن بُعد في المياه الدولية. وبالصدفة علمنا للتو أن كوبونات الغذاء الجديدة تم "تأخيرها"، وأن ملايين أصبحوا المستفيدين الجدد في الأشهر التي سبقت الانتخابات.

بالصدفة، فإننا ندرك الآن أن جهود الإغاثة الفيدرالية في أعقاب الإعصار "ساندي"، لم تتم على نحو سلس، رغم أن كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي والرئيس باراك أوباما قد أشادا بها. وبدلاً من ذلك، على غرار ما حدث في إعصار كاترينا، لا يزال عشرات الآلاف بدون كهرباء أو مأوى، بعد أسابيع من الإعصار.

بالصدفة، نعلم الآن أن خطة أوباما للسماح بزيادة معدلات الضرائب على "القطط السمان" في أميركا، الذين تصل نسبتهم إلى 2% بدخل يتجاوز 250 ألف دولار في السنة، لن تضيف دخلاً إضافياً كافياً لتغطية 10% من العجز السنوي في الاقتصاد الأميركي. فكيف يمكنه أن يحصل على 90% أخرى من التخفيضات؟ لم يخبرنا أحد أبداً.

بالصدفة، نعلم الآن أن قانون "الحلم" المزعوم، كان سيغطي على الأكثر حوالي 10٪ فقط إلى 20% من المهاجرين غير الشرعيين. وكجزء من الصفقة، هل لدى أوباما بعد الانتخابات "قانون اللاحلم" لترحيل الـ80% الآخرين الذين لا ينطبق عليهم القانون، نظرا لأنهم إما وصلوا أخيراً إلى أميركا، أو لا يعملون أو لا يذهبون إلى المدرسة أو الجيش ،أو أنهم يعتمدون على المساعدات العامة أو أن لهم سوابق جنائية؟

بالصدفة، الآن وقد انتهت الانتخابات، ويبدو أن فضيحة قتل الأميركيين في ليبيا قد تم تبريرها، بسبب الفشل الذريع في الاستجابة للمناشدات بتعزيز الأمن قبل وقوع الهجوم وتقديم المساعدة أثناء ذلك. فالفضيحة تتعلق أكثر بكثير من مجرد الغطاء السخيف المفتعل على المحتجين بسبب مقطع فيديو صدر منذ شهرين، حيث يحدث ذلك في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر باستخدام الرشاشات والصواريخ.

لماذا، على بعد ميل من القنصلية، كانت لدينا ملحقية كبيرة فيها موظفون من الاستخبارات المركزية الأميركية، التي يبدو أنها كانت مزدحمة بجميع أنواع الأمور الأخرى غير توفير الأمن الكافي للدبلوماسيين الأميركيين بالقرب منها؟

قبل الانتخابات، لم تكن وسائل الإعلام مهتمة بمعرفة ما الذي كان يقوم به حقيقة السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في بنغازي، وما الذي كان يقوم به هذا العدد الكبير من موظفي الاستخبارات المركزية الأميركية والمقاولين العسكريين هناك، وماذا كانت علاقة الوجود الأميركي الكبير في ليبيا بتركيا وبالثوار في سوريا، وبمستودعات الأسلحة المتناثرة الخاصة بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي!

ولكن أغرب "مصادفة" في ذلك كله، هي الاستقالة الغريبة الخاصة بالجنرال الأميركي ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية، بعد ثلاثة أيام فقط من الانتخابات، بسبب علاقة، على ما يبدو، خارج نطاق الزواج لمدة طويلة. فإذا كانت هذه العلاقة قد تم حجبها بشكل جزافي لمدة عام تقريبا، فكيف تم بالضبط تثبيت بترايوس كمدير للاستخبارات المركزية، وهو منصب لا يسمح بالأسرار؟ كيف يقوم مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي بالتحقيق في مسألة بترايوس؟ ولماذا؟ ولمن ومتى يقدم تقريراً بالنتائج التي توصل إليها؟ وماذا كان رد فعل الإدارة الأميركية؟

بالصدفة، لو ثبت أنه صحيح أن بترايوس لم يعد قادراً على أن يدلي بالشهادة كمدير للاستخبارات أمام لجنتي الاستخبارات في الكونغرس، بشأن مناشدات تم تجاهلها أطلقها موظفو الاستخبارات المركزية في بنغازي طلباً للمزيد من المساعدة، فهل يمكنه كمواطن عادي أن يدلي بشهادته بحرية أكبر، دون أعباء وظيفته كمدير للاستخبارات وسياسة ما قبل الانتخابات؟

الإعلان المفاجئ عن كل هذا النوع من الأخبار المحجوبة والحقائق "الجديدة" بعد الانتخابات مباشرة، يثير سخرية الرأي العام. والمزيج الناتج عن هذا سامّ، حتى بالنسبة لمهارات أوباما الهائلة بأسلوب شيكاغو للنجاة، وولاء وسائل الإعلام المطيعة له حتى الآن.

 

Email