من يحمي الصحافيين من القمع والتصفية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظمت إدارة الحريات العامة وحقوق الإنسان في شبكة الجزيرة، ندوة بعنوان "ضمانات حماية وحرية الصحافيين بين المسؤولية وممارسة الحق"، حيث أجمع المشاركون فيها على الحاجة إلى اتخاذ قرارات ملزمة من قبل المجتمع الدولي، تجّرم بشكل واضح قتل الصحافيين وتصفيتهم ومنعهم من نقل الحقيقة إلى الجمهور. كما نظمت وقفة تضامنية لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إفلات قتلة الصحفيين من العقاب.

المبادرة جاءت في وقت انتشر فيه الاعتداء على الصحافيين وقتلهم وتصفيتهم جسديا. ففي السنة الماضية وحدها لقي ما يزيد على 106 صحافيين مصرعهم وهم يبحثون عن الحقيقة لتقديمها للجمهور، كما أسفرت الأزمة السورية إلى حد الساعة عن مقتل 13 صحافياً،.

واغتيل خلال الشهور الماضية ما يزيد على 35 إعلاميا. وهذه الوقفة التضامنية جاءت لتذكر الضمير الإنساني والمنظومة الدولية وأحرار العالم، بضرورة توحيد الجهود من أجل التصدي لأعداء الحقيقة وبارونات الحروب الذين لا يطيقون كلمة الحق. فالمطلوب هو تكاتف الجهود والتنسيق بين الصحافيين والجمعيات الصحفية والمنظمات الدولية، لوضع تشريعات وقوانين لحماية الصحافيين في مناطق النزاعات والحروب.

الصحافيون والحرب معادلة صعبة وإشكالية معقدة، تجمع بين متغير البحث عن الحقيقة والمعلومة وتقديمها للجمهور، ومتغير صعوبة الوصول إلى هذه الحقيقة والأخطار والحواجز التي تعترض القائم بالاتصال، الذي يدفع حياته في بعض الأحيان مقابل الوفاء بوعده لقارئه ولضميره المهني، في تقديم المعلومة من عين المكان .

ومن المصدر نفسه. فمهنة الصحافة التي تسمى وتلقب بمهنة المتاعب، تتحول في بعض الأحيان إلى أكثر من ذلك لتصبح مهنة المخاطرة بالحياة ومهنة الموت. فما هو ذنب الصحافي الذي قرّر أن يكون شاهدا على التاريخ وأن ينقل الأحداث للرأي العام من مكان الواقعة والحادثة؟ فالمراسل الصحافي يعتبر من جنود الجبهة، جبهة الحقائق والمعلومات والأخبار. والمغامرة هنا والمخاطرة بالحياة ليست من أجل المال والشهرة، ولكن من أجل مبدأ البحث عن الحقيقة والوفاء بالعهد للرأي العام وللجمهور.

ظروف العمل والصعوبات والمشاكل المختلفة، التي يتعرض لها المراسل الصحافي في عملية البحث عن الحقيقة وعن المعلومة وتقديمها للجمهور، تعتبر مشكلة بالغة الخطورة، نظرا لأهمية حياة الصحافي من جهة وأهمية المعلومة والخبر بالنسبة للرأي العام من جهة أخرى. ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين الصحافيين وتجارب الإعلاميين من جميع أنحاء العالم، فإن عملية البحث عن الحقيقة وعن الخبر لا تقدم دائما على طبق من فضة؛ والإحصائيات تقول إن عشرات الصحا

فيين يموتون سنويا بالرصاص والقتل والاغتيالات والعمليات الإرهابية.

والمضايقات المختلفة من الأنظمة الدكتاتورية والمافيا السياسية والمالية والعسكرية …إلخ، سواء في دول الشمال أو الجنوب، حيث اشتهرت دول كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها، مثل كولومبيا وأفغانستان وبوليفيا والبرازيل والمكسيك ومصر والجزائر والسودان وباكستان وإيران والبوسنة وكرواتيا وكوسوفو والشيشان وتيمور الشرقية وسيراليون.. والقائمة طويلة.

فحسب تقارير "مراسلون بلا حدود" لقي 700 صحافي حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، كما أن نصف دول العالم لا تحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أنه في العديد من دول العالم لا توجد قوانين تحمي المهنة والمهنيين من جبروت سلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها وأشكالها. ففي الكثير من دول العالم لا توجد قوانين وهيئات ومنظمات لحماية الصحافي، الذي يجد نفسه في العديد من دول العالم أمام ميادين مملوءة بالألغام والمشاكل والعراقيل.

دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و"مراسلون بلا حدود" والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين، وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، تبعث على التشاؤم والخوف الكبير من المشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة هناك عشرات بل مئات الصحفيين الذين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات وإهانات، لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه.

وحاولوا أن يكشفوا الحقيقة. تؤكد المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حرية الرأي والتعبير، لكن في معظم دول العالم "مافيا" المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وفي كثير من الأحيان أصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له وحده حق التعبير والرأي، أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم لها دون مساءلة ولا استفسار. وأصبحت دول معروفة بديمقراطيتها وعراقتها في تقاليد حرية الصحافة وحرية الرأي والتفكير، تضرب بهذه المبادئ عرض الحائط وتمارس الإرهاب الفكري على كل من يعترض سبيلها، حتى وإن كانت على خطأ.

إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار، أصبح من المهام الصعبة في معظم دول العالم. والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام، ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق، لإرضاء أصحاب النفوذ والسلطة وبارونات الحروب والأزمات، و إذا تمرد يكون مصيره التهديد أو السجن، أو بكل بساطة التصفية الجسدية.

ضحايا مهنة الصحافة ماتوا وهم يركضون وراء الحقيقة، رفضوا صحافة الصالونات وفنادق الخمس نجوم، وتحاليل وتعليقات الأبراج العاجية والحوارات المثالية البعيدة عن الواقع، رفضوا تقديم الأخبار عن طريق التقمص الوجداني والخيال، وأصروا على الفضول والمغامرة، وأن يكونوا شهود عيان من ميدان العمليات.

مصرع الصحافيين في ميادين الحرب والصراعات والأزمات، يكشف عن نظام عالمي مفلس، عالم تمزقه الصراعات والحروب، عالم منافق يدعي الحرية والديمقراطية والشفافية وتقديس حقوق الإنسان والحريات الفردية من جهة، ومن جهة أخرى يمارس كل آليات الضغط والرقابة والتحكم في الحقيقة وتفصيلها على مقاسه. فالحقيقة التي تحرج اللاعبين الكبار في العالم تُكمم عنها الأفواه ويتم طمسها وإخفاؤها، أما الذين يبحثون عنها لتقديمها للرأي العام فمصيرهم هو الاغتيال أوالسجن أو التصفية الجسدية، أمام مرأى ومسمع العالم بأسره.

من يحمي رجال الحقيقة ورجال التأريخ للنزاعات والحروب والأزمات؟ متى ينهض الضمير الإنساني من سباته العميق ويناصر قانونيا وتشريعيا ويحمي ضحايا المجرمين وصناع الحروب والأزمات؟ أين هي المنظمات الدولية؟ أين منظمات حقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة؟

 

Email