يومٌ للتأمّل والامتنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، هو بالنسبة إليّ أكثر بكثير من مجرّد عطلة رسمية أو مناسبة للاحتفال. أشكر الله على عطاياه في كل يوم، ولا أنفكّ أشعر بالفخر لأنني وُلدت في دبي ذلك الوقت، والتي كانت لا تزال مدينة مغمورة.

لكن يوم الثاني من ديسمبر مميّز، ففيه يتحوّل تفكيري كاملاً نحو النجاحات التي حقّقتها أمّتنا، وتتعزّز آمالي بالمستقبل. وأتذكّر في هذا التاريخ أنه عندما تتوحد أفكارنا وجهودنا، لا يعود هناك من مستحيل.

لقد كان قرار حكّامنا رفع العلم الإماراتي لأوّل مرّة في الثاني من ديسمبر 1971، بعد انتهاء المعاهدة البريطانية مع إمارات الساحل المتصالح في الأول من ديسمبر، دليل عزم وقوّة. فعندما رفرفت تلك الراية، طمست الجروح القديمة، ودُفِنت الأحقاد والضغائن.

جرى الاتّفاق على الحدود، وأُنشئت حكومة اتحادية بما يُتيح لكل إمارة الحفاظ على استقلالها الذاتي، ووُضِع دستور مكتوب، مما ساهم في إرساء السلام والأمن وتحقيق التقدّم الاقتصادي. لم يعد جيراننا منافسين لنا، بل إخوةٌ وأبناء وطن واحد نعمل معاً من أجل الهدف عينه. ومنحتنا الوحدة القوّة اللازمة لدرء أعدائنا، الذين ينظرون إلينا بعين الحسد.

أثارت ولادة اتّحاد الإمارات تشكيكاً في بعض الأوساط، فقد قال المشكِّكون إنه لن يدوم، وإن الانقسامات القبلية ستسود في نهاية المطاف. لكن الاتحاد صمد، لا بل نما أكثر فأكثر وازداد قوّة. لم نعد نعتبر أنفسنا مواطنين في أبو ظبي أو دبي أو الشارقة أو عجمان أو الفجيرة أو أم القيوين أو رأس الخيمة؛ جميعنا إماراتيون أباة.

ولذلك يجب أن نعرب عن امتناننا الشديد لحاكم أبو ظبي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحاكم دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين كانا، باعتراف الجميع، القوّة المحفِّزة خلف قيام الاتحاد.

أعتبر نفسي محظوظاً لأنني عرفتُ الرجلَين اللذين غيّر كلٌّ منهما حياتي على طريقته، وهو ما قد تطرقت إليه بالتفصيل في مذكّراتي التي صدرت مؤخراً تحت عنوان "خلف الحبتور.. السيرة الذاتية"، والتي أكشف فيها كل ما عشته وخبرته. لقد ألهماني بحكمتهما وتواضعهما، لأصبح إنساناً أفضل، لا بل لأُقدِّم أفضل ما عندي.

كانا قدوةً في حكمهما.. لم يفرضا حكماً استبدادياً، بل كانا يصغيان دائما إلى نصائح الآخرين، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو المادّي، قبل أن يتّخذا قراراتهما.

لم يكونا مجرّد حاكمَين بالنسبة إلينا، بل رأينا فيهما أبوَين عطوفَين، وكرّسا كل دقيقة من حياتهما من أجل خير شعبهما ورفاهه. كانا يعلمان تماماً أن النفط موردٌ متناقِص، ولذلك عملا على تشجيع نمو البنى التحتية والتجارة في البلد ودعمها.

وأرسيا توازناً دقيقاً بين الأصالة التي ورثاها والرؤية وبعد النظر اللذين يتحليان بهما. كان الشيخ زايد والشيخ راشد رجلَين استثنائيَّين، ويجب ألا ننسى أبداً الدروس التي علّمانا إياها.

شعرنا بحزن كبير على رحيلهما، وكأنّهما فردان من العائلة، ليس فقط بدافع الاحترام، إنما أيضاً بدافع الحب لرجلَين سهِرا فعلاً على خير وطنهما وأبنائه وبناته. تركا لنا أسساً راسخة للازدهار، ووضعا الإمارات في موقع متقدم على الخارطة العالمية. وأكثر من ذلك؛ حافظا على الاستمرارية السياسية عبر نقل الأمانة إلى نجلَيهما، صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اللذين عهِدا إليهما مهمة الاستمرار في تحقيق آمالهما وأحلامها، بالتعاضد مع حكام الإمارات الخمس الأخرى.

تحيّة إكبار للشيخ خليفة والشيخ محمد اللذين قادا الإمارات للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، التي شملت بلادنا في العامَين 2008 و2009. وقد تحمّلت دبي الوطأة الأكبر من هجمات الصحافة الغربية، التي توقعت أسوأ الأمور. فقد رأى المعلّقون الذين جُبِل كلامهم بمشاعر الحسد، دبي تختفي تحت رمال طموحاتها وتطلّعاتها.

ولكن تبيّن أنهم مخطئون جداً، فيما لا تزال بلدانهم تتخبّط لمكافحة الركود. لقد نهضت الإمارات من جديد، وبقوّة! إنما يؤسفني القول بأن هذا لم يردع كتّاب الأعمدة الذين يحبّون القنص على الآخرين في الصحف الأجنبية، أمثال سميون كير الذي كتب مقالاً في صحيفة "فايننشال تايمز" تحت عنوان "دبي، معقلٌ للغطرسة القديمة".. يبدو أن نجاحنا ما زال يُثير غضب البعض.

وفي العام 2009، كتب كير مقالات بعنوان "دولة سبّاقة عالمياً يجرفها نجاحها"، و"الأزمنة الجميلة تنتهي في دبي"، و"دبي، إمارة في انحسار". أرجو المعذرة، سيد كير، لأننا خيّبنا ظنّك! لن نعتذر لأننا نناضل لنكون الأفضل. في الواقع، نفتخر بأننا تخطّينا بهذه السرعة الكبيرة، مشكلة عالمية ليست من صنعنا.

يحتلّ الاقتصاد الإماراتي المرتبة 30 في العالم؛ يفوق إجمالي الناتج المحلي تريليون درهم إماراتي، في حين يحتل إجمالي الناتج المحلي لنصيب الفرد المرتبة السابعة عالمياً. بلغ النمو الاقتصادي 4% العام الماضي، ويُتوقَّع تحقيق نسبة أكبر هذا العام.

من يعيشون في دبي يشعرون بالفورة المتزايدة. وأستشهد هنا بقول للشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم "يُسجَّل نمو في مختلف المجالات، ولا سيما في قطاعات السياحة والطيران والأعمال والتأمين. يقول الجميع إن المدينة تنبض بالحياة".

لم يتزعزع يوماً إيماني بدبي، حتى عندما توقّفت الرافعات عن العمل ومواصلة البناء. طمأنتُ الجميع إلى أنه لا داعي للقلق، وإلى أن التباطؤ الاقتصادي ليس سوى مجرّد عثرة في طريقنا سوف نتخطّاها قريباً.

وعلى غرار الكثيرين الذين لم تتزعزع ثقتهم، أستثمر في دبي من خلال ثلاثة فنادق جديدة وفخمة (سانت ريجيس، ودبليو أوتيل، ووستن) تحت إدارة فنادق ستاروود، على شارع الشيخ زايد حيث كان يقع فندق دبي متروبوليتان، وكذلك في بناء فندق والدورف أستوريا على نخلة الجميرة، الذي من المتوقّع أن يفتح أبوابه أوائل العام المقبل.

سيستمتع كثرٌ بتمضية هذا اليوم مع العائلة أو بممارسة مختلف أنواع التسلية والترفيه. لكن دعونا ننتهز الفرصة أيضاً لنحمد الله على ما أنعم علينا به، ونحتفي بالتعدّدية الثقافية لبلادنا التي تجعل منها مركزاً دولياً فريداً من نوعه يستقطب المواهب المختلفة، مع تحفيز المواهب العربية التي كنّا نخسرها من قبل ويستفيد منها الغرب.

فلنقدِّر مدننا العصرية التي تتميّز ببناها التحتية وصروحها الرائعة التي لا مثيل لها في العالم، ولنتذكّر أنه في غضون أربعة عقود فقط، تحوّلت الإمارات في ظاهرة نادرة من أبرز الوجهات السياحية الدولية، بوجود مطارات تضاهي أفضل المطارات العالمية، فضلاً عن شركتَي طيران الإمارات وطيران الاتّحاد اللتين لا تنفكّان توسّعان أسطولهما، في حين أن الشركات الأخرى تقلّص حجم أساطيلها.

حقّقت حكومتنا المعجزات لشعبها، والأهم من ذلك أنها لم تنسَ المحتاجين في منطقتنا ومناطق أخرى من العالم؛ فحكّامنا يشملون الجميع بعطفهم ورعايتهم، بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو العرق أو اللون.

لقد ساهمت هذه القيم الإنسانية في جعل المواطنين الإماراتيين موضع تقدير واحترام أينما حلّوا في العالم.

أسأل الله أن يمدّنا بعونه لنبقى موحّدين، وأن يحمي أمّتنا. ويحدوني الأمل في أن يتحوّل مجلس التعاون الخليجي اتّحاداً سياسياً واقتصادياً وعسكريا قوياً على أيّامي. وأدعو الله أيضاً لتتعزّز الأواصر أكثر فأكثر بين الحكّام والمواطنين العاديين، ولتبقى ثقافتنا وتقاليدنا الأساس الذي نبني عليه حياتنا. فرغم أننا انحرفنا عنها قليلاً، علينا جميعاً أن نذكّر اليوم أولادنا وأحفادنا بأنها الخيوط الخفيّة التي تربطنا معاً، ويجب ألا تنقطع أبداً.

في هذه المناسبة المهمة، أود أن أتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأصحاب السمو حكام الإمارات وشعب الإمارات الأبيّ والعالم بأسره، بهذا الاتحاد المبارك، راجين من الله العلي العظيم أن يديم علينا نعمة الاتحاد والرخاء، ويزيدنا قوة ووحدة وترابطاً وألفة ونماء بإذن الله.

Email