المناورات الاقتصادية في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع انتهاء انتخاب الرئاسة الأميركية، كنت آمل أن يتجاوز السياسيون الأميركيون ألعاب الشد والجذب. أولا، نحتاج إلى أن نفهم أن لعبة الجذب والشد القادمة، لا تتعلق بمقدار خفض العجز في الميزانية الأميركية ولا بتوقيت ذلك، أو حتى ما إذا كانت "الهاوية المالية" المقبلة تشكل خطراً على الاقتصاد.

لقد حذر مكتب الموازنة الأميركي غير الحزبي في الكونغرس مؤخراً، من أن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق التلقائي المقرر أن يبدآ في يناير المقبل، سيؤديان إلى خفض العجز أكثر من اللازم، في وقت قريب جداً. فسوف يعيدان الاقتصاد الأميركي إلى الركود ويدفعان البطالة إلى مستوى 9% تقريباً. لكن المكتب حذر من أزمة اقتصادية مقبلة، إذا لم توقف الولايات المتحدة نمو العجز المتفجر في البلاد.

هذا هو المأزق الذي نواجهه؛ تخفيض العجز في الميزانية بسرعة كبيرة جداً يقودنا إلى ورطة. لكن الفشل في معالجة العجز، يقودنا أيضاً إلى ورطة.

إنها حقا مسألة توقيت، وهذا هو السبب في أنني أعتقد أن أي اتفاق يجب أن يتضمن آلية التحفيز التي تبدأ بخفض الإنفاق وزيادة الضرائب، عندما يمر الاقتصاد الأميركي بربعين متتاليين من البطالة بمعدل 6% أو أقل، ونمو سنوي بمعدل 3% أو أكثر.

لكن لعبة الشد والجذب القادمة في واشنطن، لا تتعلق في الحقيقة بأي من هذا، فهي تتعلق بالقضية الأكثر وضوحاً التي تنافس من أجلها كل من الرئيس باراك أوباما والمرشح الرئاسي السابق ميت رومني، وهي ما إذا كان ينبغي زيادة الضرائب على الأغنياء. ويناور الديمقراطيون والجمهوريون الآن، من أجل تعظيم الحظوظ في المساومة بينهما عندما يجتمعان في العام المقبل لاتخاذ قرار بشأن ذلك.

دعا الرئيس أوباما الكونغرس، إلى جعل تخفيضات الضرائب فورا، دائمة بالنسبة للأميركيين الذين يقل دخلهم عن 250 ألف دولار في السنة، بينما في الوقت نفسه يسمحون بزيادة المعدلات الضريبية بالنسبة للأميركيين الأثرياء، ومن ثم جعل هذه المعدلات جزءاً من اتفاق أوسع نطاقا في العام المقبل. وفي الوقت نفسه، اقترح رئيس مجلس النواب جون بوينر، أن يتم تمديد جميع التخفيضات الضريبية، بما في ذلك الضرائب على الأغنياء، حتى العام المقبل إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق. وقال بوينر: "إنني أقترح أن نتجنب الهاوية المالية معاً، بطريقة تضمن أن يكون العام 2013 هو العام الذي تحكم فيها حكومتنا السيطرة على المشكلات الرئيسية التي تواجهنا".

إذن، ما الذي سيحدث؟ فلتستوعبوا ذلك معي، لأن هذا أمر مثير للاهتمام.

الرئيس أوباما يعرف أن الجمهوريين لن يجعلوا التخفيضات الضريبية دائمة للأشخاص الذين تقل دخولهم عن 250 ألف دولار، من دون جعلها دائمة أيضاً لدافعي الضرائب الأكثر ثراء. فكيف سيتمكن الديمقراطيون من إجبار الجمهوريين؟

يشير الديمقراطيون إلى أنهم ستكون لديهم قدرة أكبر على المساومة في اتفاق العام المقبل، إذا لم يفعلوا شيئاً الآن، مما يتيح لمعدلات الضرائب أن ترتفع تلقائياً على الجميع في شهر يناير المقبل. حينئذ سوف يقدم الديمقراطيون للجمهوريين صفقة تقلل الضرائب على الأشخاص الذي يكسبون أقل من 250 ألف دولار، وهو ما سيكون بأثر رجعي حتى الأول من يناير، وهكذا سوف نتجاوز الهاوية المالية. ولكن لأن الاتفاق اللاحق سيكون بأثر رجعي، فسيكون أشبه بمرتفع خفيف عن كونه منحدراً.

يعتقد الديمقراطيون أن هذا سيؤدي إلى الإيقاع بالحزب الجمهوري، لأن الجمهوريين سيضطرون حينئذ للاختيار بين خفض الضرائب للطبقة المتوسطة، أو أي تخفيض للضرائب على الإطلاق. ونظراً للالتزام الأيديولوجي للجمهوريين بخفض الضرائب، فسيضطرون للموافقة على خفض الضرائب على الطبقة المتوسطة.

لكن الجمهوريين يشيرون إلى أنهم سيكونون أقدر على المساومة، إذا أبقوا الأمور كما هي حتى شهر فبراير أو مارس المقبلين، عندما يكون لا بد من رفع سقف الديون مرة أخرى، وبهذه الطريقة يمكن للجمهوريين أن يهددوا مرة أخرى بالتصويت ضد رفعه، ما لم يمضوا في طريقهم بشأن الضرائب.

وهذا هو السبب في أن بوينر يريد تشريعات من شأنها أن تستمر الحكومة في الإنفاق وفرض ضرائب بالمستويات الحالية خلال بداية العام، وبالتالي تجنب الهاوية المالية.

إذن، من الذي يطرف جفنه أولاً؟ هل هم الديمقراطيون الذين لا مانع لديهم من تجاوز الهاوية لأنهم سوف يحصلون على صفقة نهائية أفضل، وستكون بأثر رجعي حتى الأول من يناير، وهي إذن ليست منحدراً على الإطلاق، ولكنها أشبه بتلة صغيرة؟ أم هم الجمهوريون الذين يرغبون في تمديد التخفيضات الضريبية من عهد الرئيس الأميركي السابق بوش إلى ما بعد الأول من يناير، حتى نقترب بما فيه الكفاية من سقف الديون الذي يمكن أن يهدد مجدداً يقين أميركا وثقتها الكاملين؟

تذكروا أنه إذا لم يتم فعل أي شيء من الآن حتى شهر يناير، فإن معدلات الضرائب سوف ترتفع تلقائيا على الجميع في بداية العام. وهذا يعني أن أوباما والديمقراطيين، هم في موقف أقوى الآن.. دعونا نأمل ألا تطرف جفونهم.

 

Email