لنأمل أن تتغير أميركا مجدداً

ت + ت - الحجم الطبيعي

حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما نصراً محدوداً بشكل معتدل، على منافسه المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني. ولكن الغريب، أنه لم يتغير، فلا تزال أميركا منقسمة بما يقرب من 50/50، ولا يزال هناك رئيس من الحزب الديمقراطي، ومجلس الشيوخ بأغلبيته الديمقراطية في حالة حرب مع مجلس النوّاب الذي يهيمن عليه الجمهوريون، في "أميركا يوم جرذان الأرض".

إن فوز أوباما بالانتخابات لم يعكس فعلياً تأكيد ولايته الأولى، بالنظر إلى أن الرئيس بذل جهودا فاترة في الدفاع عن برنامج "أوباماكير" للرعاية الصحية، وعن حزمة التحفيز لمواجهة العجز الكينزي الضخم، ومحاولاته لتنفيذ برنامج الانبعاثات الكربونية. لذا فإذا كانت هناك أجندة لفترة ولاية ثانية، فحتى مؤيدو أوباما لا يعرفون تماماً ما الذي ستكون عليه هذه الأجندة.

وخلافا لحملة الأمل والتغيير في عام 2008، فإن أوباما خاض الحملة الانتخابية هذه المرة مركزاً على موضوع أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان مروعاً، وأن ميت رومني سيكون أسوأ بكثير، وأنفق ما يقرب من مليار دولار لتشويه سمعة الأخير على أنه مجرم حقيقي سوف يدع المواطنين لكي يعانوا بقسوة من دون تأمين صحي.

وبالطريقة الحرفية التي نصت عليها الكتب المدرسية في تنظيم المجتمع، فقد فاز أوباما في الانتخابات عن طريق لمّ شمل الفصائل التي واجهت تحذيرات حادة، مفادها وجود أعداء مفترضين في كل مكان.

كانت الأقليات تتعرض للاضطهاد من جانب الكونفدراليين الجدد المتمثلين في أحزاب الشاي، وتعرض الخضر لخطر الملوثين الجشعين، ويتعرض الأجانب غير القانونيين للتخويف من الناشطين الذين يمقتون الأجانب.. وكانت نسبة الـ47% تحت رحمة فئة الـ1% التي تلتهم كل شيء. يمكن لأي أميركي تقريباً أن يندرج إما ضمن فئة ضحية متحالفة مع أوباما، أو الظالم المنحاز لرومني.

فكيف يمكن، إذن، للرئيس أوباما الذي أعيد انتخابه، أن يعيد نموذج "هامتي دامتي" الأميركي الفوضوي مرة أخرى، بعد أن تفتت بسبب مثل هذه الحملة السيئة؟ بالتأكيد، لن يكون مفيداً بالنسبة للرئيس أن يتمسك بشكل بليغ، بالحاجة إلى المزيد من الكياسة. وبدلا من ذلك، فإن خصومه في الكونغرس سوف يتوقعون المزيد من سياسة شيكاغو القاسية، وسيجيب على الأرجح بلطف.

لكن أوباما سيحتاج إلى مساعدة من الحزبين لحل عدد من الأزمات الخطيرة، إذ لا يمكن لأربع سنوات من العجز بتريليون دولار في عهد أوباما، أن تستمر دون أن تدمر أميركا. فالدين الوطني المذهل بما يقرب من 17 تريليون دولار، يجب أن يتم تخفيضه أيضاً قبل أن تصبح العملة الأميركية لا قيمة لها وتثقل الفائدة على الاقتراض كاهل الميزانية.

 تلوح في الأفق حالة التجريد من الملكية، في ظل التخفيضات الهائلة في الدفاع والاستحقاقات في الأفق القريب، مما يذكرنا بأننا لا يمكن أن نعيش مع هذا المرض من الاقتراض الضخم، ولا مع دواء التخفيضات الجذرية وزيادة الضرائب على ما يبدو.

إذا كان معظم الأميركيين على استعداد للنظر في السماح لمسارات منح المواطنة للأجانب غير الشرعيين الملتزمين بالقانون، فمن ثم ينبغي أن يكونوا متمسكين على قدم المساواة باستخدام هذه السلطة التقديرية، لترحيل من خالفوا القانون أو من يصبحون أوصياء على الدولة.

لكن ألا يعتقد أحد أن هذا التوازن سوف يكون حقاً أساساً للتسوية؟ لقد ساعد الشعور بالخوف من نظام "أوباماكير" بالفعل على ارتفاع أقساط التأمين، ولا أحد يعرف تماماً حتى الآن، إلى أي مدى ستؤثر الموجة الهائلة من التشريعات الجديدة على المرضى والأطباء والمستشفيات. بعد نحو ثلاث سنوات من تمرير مشروع القانون، لا يزال الرأي العام غير راض عن مجرد فكرة هذا القانون.

يجب في وقت قريب، قول الحقيقة بشأن مقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين في ليبيا. وغالباً فإن وسائل الإعلام المؤيدة لأوباما، أجّلت سرد الإدارة الأميركية المنافي للعقل، لعملية عفوية قد ضلت طريقها عبر مقطع فيديو غامض، خوفا من المخاطرة بترشح الرئيس لفترة ثانية.

لكن وقائع أسوأ هجوم إرهابي على أميركيين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تحتفظ بأمور عنيدة ولن تمضي بعيداً. تنظيم القاعدة لم يتم تفكيكه، ولا يزال يقتل الأميركيين. وليبيا ليست نموذجاً ديمقراطياً للربيع العربي، بل هي غارقة في الفوضى القبلية.

لسوف يضطر مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية، لا سيما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لأن يفسروا لماذا تم تجاهل تحذيرات مسبقة من ليبيا ذات عواقب وخيمة؟ أما الآخرون، مثل مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس ونائب الرئيس جو بايدن وربما الرئيس نفسه، يجب أن يقولوا لنا لماذا زعموا لفترة طويلة أن العنف كان عفوياً، عندما علموا، أو يفترض أنهم كان يتعين عليهم أن يعلموا، أنه كان إرهاباً مخطط له سلفاً؟! لكن ليس كل شيء قاتماً في المستقل.

يمكن لاكتشافات الغاز الجديدة الموسعة، أن تجعل أميركا مستقلة من ناحية الطاقة قريبا.

فالاقتصاد الأميركي يتسم بأنه دوري، وربما ينتعش من تلقاء نفسه، في نهاية المطاف، في حال تركه أوباما وشأنه فحسب، وتوقف عن إصدار التشريعات وعن الاقتراض.

العُرف الشعبي يشهد بأن الجنون هو فعل الشيء نفسه وتوقع نتائج مختلفة.. دعونا نأمل أن الرئيس الديمقراطي نفسه، والكونغرس المتسم بالاستقطاب نفسه، والبلد المنقسم نفسه.. سيقومون بشيء مختلف عن السنوات الأربع الماضية المفقودة.

 

Email