الشبكات الاجتماعية وما بعد الربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتأمل والملاحظ لأحداث 2011 في المنطقة العربية، يستنتج من دون أدنى جهد أنها سنة الشبكات الاجتماعية بامتياز، حيث أصبح الإعلام الاجتماعي لاعباً فاعلاً وأساسياً في حياة الشعوب. فشبكات التواصل الاجتماعي غيرت آليات الاتصال والإعلام والتفاعل مع القضايا المصيرية في المجتمع، فأصبحت هناك وسائل جديدة لتقديم الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات، وكل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للمجتمع.

هذه البيئة الجديدة والفضاء الجديد، حررا المجتمع من سيطرة السلطة على صناعة الكلمة والصورة والرأي العام. وكنتيجة لكل هذا تحررت المبادرات وتحررت الشعوب لتصنع الحقيقة بنفسها وإلى الوصول إلى أدق مجريات الأمور بكبسة زر. فالحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية في سنة 2011، لم تشهده خلال عقود من الزمن ومنذ استقلالها وهيمنة السلطة على الكلمة والصورة.

بمجيء الإعلام الجديد تغيرت المعطيات وأُتيحت الفرصة للشباب لتحقيق ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية، وغيرها من الكيانات التي لم تنجح في كسر القيود والوصول إلى تجنيد الجماهير وتشكيل الرأي العام المستنير والفعال، والذي من شأنه أن يقرر مصير الشعب ويحقق طموحاته ومطالبه.

وبعد ما حدث، نتساءل الآن هل يستطيع الإعلام الجديد من خلال الشباب مواصلة المسيرة والانتقال من مرحلة الإطاحة بالأنظمة المستبدة، إلى مرحلة البناء والتشييد والوصول إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والرفاهية؟ الأيام والشهور والسنوات المقبلة هي الكفيلة بالإجابة على هذا السؤال.

وشعوب الربيع العربي تنتظر التغيير وتحسين ظروف المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية. كيف هي الأحوال بعد مرور ما يقارب السنتين؟ أم أن القضاء على البطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية يتطلب أكثر من تويتر وفيسبوك وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؟

تطورات جذرية شهدتها المنطقة العربية خلال السنة الماضية. أما عن أسبابها فكثر الكلام عن الإعلام الجديد ودوره في نشر الأخبار والمعلومات، وتجنيد مئات الآلاف من الشباب للمطالبة بالتغيير، ومنهم من رأى أن الأمور وصلت إلى درجة كبيرة من الظلم والاستبداد، الأمر الذي جعل الأحداث تتطور بسرعة وتؤدي إلى ما آلت إليه.

والأكيد أن الفضاء الإعلامي العربي تغير تغيراً كبيراً، بسبب الإعلام الجديد والقنوات الجديدة والعديدة والمتنوعة التي وفرتها التكنولوجيا الجديدة للشعب العربي. والفضاء العام العربي كذلك شهد نمواً لا مثيل له، حيث أصبحت قضايا الأمة تناقش بكل حرية وديمقراطية وصراحة وجرأة وشفافية، على الشبكات الاجتماعية. أمر آخر أكيد.

وهو أن المجتمع المدني في عديد الدول العربية فاق من سباته العميق وأصبح يتحرك ويتفاعل مع المسيرات والتظاهرات والاحتجاجات التي شهدها عديد عواصم الدول العربية.

النتيجة في آخر المطاف، أن المنطقة العربية دخلت عصراً جديداً أصبحت فيه للشعب سلطة وأصبحت له كلمة يقول رأيه من خلالها، وأصبحت التظاهرات والمسيرات والاحتجاجات أقوى من الجيوش المدججة بالأسلحة وبالدبابات وغيرها.

وهنا يتساءل المرء ما هي الأسباب؟ ولماذا لم تحدث هذه الثورات من قبل؟ ولماذا فشل عديد الحركات والمحاولات التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع والتخلص من الاستبداد والبطش والظلم والطغيان؟ بطبيعة الحال الإجابة ليست بسيطة، ولا يمكننا إرجاع ما حدث إلى عامل واحد أو سبب واحد.

وإنما هناك عدة متغيرات تداخلت وتشابكت في ما بينها وساهمت في حدوث ما حدث. وفي هذا المقام نركز على ظاهرة جد مهمة وهي دور الإعلام الجديد، وخاصة الشبكات الاجتماعية، في توعية الشباب وتجنيده وإعطائه الفرصة ليكون ويصبح فاعلاً في الفضاء العام وفي المجتمع المدني، للمطالبة بالتغيير والإصرار عليه حتى يتحقق في أرض الواقع.

ساهم الإعلام الجديد في تحريك المياه الراكدة في العديد من الدول العربية، وأفرز احتجاجات ومسيرات وتظاهرات ما زالت تزعزع وتهز العالم العربي حتى الوقت الحاضر. تسونامي الاحتجاجات أطاح بأنظمة مستبدة وسلطوية في تونس ومصر وليبيا. جمهورية الفيسبوك كشفت عقم الأنظمة الإعلامية العربية التي تفننت خلال ما يزيد على نصف قرن في «شرعنة» الوضع الراهن.

وفي التملق والتسبيح والمدح في الرئيس والقائد والنظام القائم. فالإعلام الجديد أعطى الفرصة للمواطن العربي ليكون فاعلاً في العملية الاتصالية، ويستقبل ويرسل ويدلي برأيه ويقدم مادة خبرية وإعلامية قد تتجنبها أو تغيب عن القنوات الإعلامية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام التقليدي. ثورة الفيسبوك قضت على نظرية حارس البوابة.

وقضت على الرقابة والتوجيه المنهجي للخبر والمعلومة. والسؤال الذي يطرح هنا هو؛ إلى أي مدى تستطيع هذه الجمهورية أن تواصل مهامها في إصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتحقيق أحلام مئات الآلاف من الشباب الذي يطالب بوظيفة وبحياة كريمة لا غير؟!

لقد صنعت جمهورية الفيسبوك جيلاً جديداً من الإعلاميين، هذا الجيل لم يدرس الإعلام ولم يمارس الصحافة في قاعات التحرير، بل أصبح يمارس نوعاً جديداً من الإعلام، حيث تحول نموذج واحد إلى العديد (one to many) ومن العديد إلى العديد (many to many).

فالشباب العربي أصبح من خلال الفيسبوك وغيره من وسائل الشبكات الاجتماعية، يمارس ما يسمى بصحافة المواطن citizen journalism، وهي الصحافة التي يشارك في صناعتها وإصدارها المواطن للمواطن. فمفهوم الممارسة الإعلامية تغير كلياً من ممارسة للتلميع والمديح، إلى ممارسة للتغيير وتقديم مطالب الفئات العريضة من المجتمع إلى صاحب القرار.

لقد تغيرت المعطيات كما أن طرق ووسائل الحصول على الخبر تغيرت، أما وظائف الخبر حسب جمهورية الفيسبوك، فهي موجهة مائة في المائة إلى المواطن، تطرح همومه ومشاكله للنقاش والحوار والتداول. لكن ماذا عن المرحلة الانتقالية وتغيير الواقع وتحقيق أحلام الشباب؟ هنا مربط الفرس وهذا هو الأهم. فالمجتمع المدني والشبكات الاجتماعية بحاجة إلى مواصلة المهمة لتحقيق المرحلة الثانية من المعركة.

 

Email