ماذا نتعلم من المناظرات الرئاسية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختار الرئيس الأميركي باراك أوباما في المناظرة الرئاسية الأخيرة الاستمرار في الهجوم على منافسه في سجال ميت رومني، ومرة أخرى فقد فشل إلى حد كبير في إقناع الشعب الأميركي بأنه البديل الرئاسي الأكثر ملاءمة.

ولكن كيف لشاغل المنصب الذي كان يثير الحماسة يوماً أن يجد نفسه في هذا المأزق المتمثل في لعب دور اللحاق بمنافس حانة، بدلاً من أن يلتزم الهدوء والثقة كرئيس؟ على الرغم من تقدمه في استطلاعات الرأي على امتداد معظم العام، فقد حقق أوباما نادراً تأييداً بنسبة 50%، وذلك إلى حد كبير بسبب أربع سنوات من الأخبار الاقتصادية الكئيبة. فقد حذرنا أوباما نفسه قبل أربع سنوات من أنه إذا لم يعد الازدهار، فإنه سيصبح رئيساً لأميركا لولاية واحدة، وقد علمتنا المناظرات أنه كان على الأرجح محقاً.

الوعود بشأن خفض العجز السنوي إلى النصف والوصول بمعدل البطالة إلى أقل من 6% وزيادة دخول أفراد الطبقة المتوسطة لم يتم الوفاء بها مطلقاً. الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط وقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين في ليبيا لم يساعد في إقناع الناخبين بأن سياسة أوباما الخارجية كانت ناجحة بحيث أنهم يمكنهم تحمل اقتصاد متسم بالضعف.

إلا أن الأميركيين أرادوا دائماً بديلاً مجدياً قبل أن يعترفوا بخطئهم وتخلوا عن رئيس كانوا قد صوتوا لصالحه يمثل هذا التزلف في عام 2008. شعر أوباما بهذا التردد، وهكذا فقد أنفق ما يقرب من مليار دولار في حملة سلبية إلى حد كبير من أجل إقناع الناخبين بأن رومني كان غير حساس تجاه المرأة وقاسياً تجاه الفقراء، وبصفة عامة، فهو رأسمالي يفتقد إلى الإحساس وغير متسم بالرحمة. كانت الرسالة الضمنية أنه حتى لو أن فترة الولاية الأولى لأوباما لم تكلل بالنجاح كما وعد، فسيكون رومني مع ذلك هو الأسوأ. وأهون الشرين، أي مرور أربع سنوات ناجحة، حل محل الأمل والتغيير هذه المرة.

ولكن بعد ثلاث مناظرات، توصل الناخبون أخيراً إلى التعرف على رومني. فما سمعوه ورأوه كان مختلفاً تماماً عن الشرير الذي ظهر في الدعاية الهجومية. وفي المناظرة الأولى صدمت وسائل الإعلام المؤيدة لأوباما من أن رومني الذي يفترض أنه أرستقراطي أثبت أنها أكثر حضوراً على الصعيد الشخصي وأكثر معرفة، من أوباما الفاتر. وظهر الرئيس كما لو كانت المناقشة كلها واجباً مملاً، وكما لو أن رومني لا يحتمل أن يتمكن من الفوز، وحتى لو فعل، فلن يكون لذلك أي تأثير على وسائل الإعلام أو على التقدم الثابت لأوباما في استطلاعات الرأي.

وبدلاً من ذلك، فقد أطلقت مناظرة أوباما التي امتدت على مدار 90 دقيقة رهيبة سلسلة من ردود الفعل، وأدت إلى ضعف تقدم الرئيس في الولايات المتأرجحة الحاسمة. وفي غمرة مفاجآت المناظرة الثانية، خرج أوباما حاد الطباع متسماً بطابع اتهامي، واقتلع فوزاً صعباً اعتماداً على عدوانيته المحضة، أو على حقيقة أنه على الأقل قد تحسن مقارنة بفقدانه الأول لأداء المناظرة.

كانت خدعة أوباما في الجولة الثانية أن يبرز للأميركيين أن المناظرة الأولى كانت ذات وضع شاذ وغريب، وكان رومني حقاً الكاريكاتير الذي تم تصويره خلال أشهر من الإعلانات السلبية. إلا أنه لو كان أوباما قد فاز تكتيكياً، فقد خسر استراتيجياً من خلال سلوكه القتالي والحقيقة نفسها التي مفادها أن رومني لم يستمر في البقاء بعد ثلاث ساعات تراكمية من التبارز رأساً برأس، ولكن كسب المزيد في استطلاعات الرأي.

أخيراً، منحت المناظرة الثالثة والأخيرة أوباما فرصة أخيرة لإقناع الشعب الأميركي بأنه فيما يتعلق بمسائل السياسة الخارجية على الأقل، كان رومني إما خطيراً أو أنه يفتقد إلى المعرفة الصحيحة. وهذا التحدي أيضاً ضمن أن أوباما كان مضطراً لأن يحشد في الـ 90 دقيقة النهائية هجمات شبه دائمة لكسر قناع الهدوء لرومني. وسواء كانت متعادلاً في استطلاعات الرأي أو متقدماً، فقد كان كل ما اضطر رومني القيام به رداً على ذلك، هو الاستمرار للمرة الثالثة في التصرف على مستوى رئاسي وإثبات أن ظهوره في وقت سابق على أنه رابط الجأش وكفؤ لم يكن مفتعلاً، وهي استراتيجية عدم التفكير الواضحة للجميع ممن تابعوا أول مناظرتين.

وهذا هو بالضبط ما فرح به رومني. وكما حدث في المناظرة الثانية، فربما أدى أوباما بشكل جيد بما يكفي ليخرج بالتعادل أو حتى الفوز المحدود في عدد النقاط، لكنه ربما لم يحقق نتائج جيدة بما فيه الكفاية لقلب النتائج في استطلاعات الرأي. ولو أنه سعى لتحطيم صورة رومني كزعيم متسم بالشفقة والكفاءة في الصناعة، فإنه من المرجح أنه قد ألحق الضرر بصورته شخصياً كرجل لطيف. إذن، فما الذي تعلمناه مما يقرب من خمس ساعات من إظهار البراعة اللفظية؟

إن صورة الكفاءة ورباطة الجأش التي أبرزها رومني في المناظرة الأولى لم يتم تغييرها من خلال المناظرة الثانية، وتم تأكيدها من خلال المناظرة الثالثة. فالمناظرات الرئاسية لها أهميتها حقاً، وربما يكون للساعات القليلة من الاشتباك مع رومني تكلفتها بالنسبة لأوباما بما كان قد حاول أن يضمنه على مدار ستة أشهر من هجوم الحملة الانتخابية الشرسة. وهكذا فإنه في الأيام العشر الأخيرة من الحملة، سيكون على أوباما أن يعود إلى الدعاية السلبية، على أمل أخير أن يحقق من خلال الهجمات الشخصية ما لم يتمكن من تحقيقه من خلال إقناع الرأي العام.

لو أن الناخبين خلصوا إلى أن أوباما يائس من تشويه صورة رومني بطريقة لم يتمكن منها في المباراة العادلة للمناظرات العامة، حينئذ سوف يخسر أوباما الانتخابات على الأرجح.

 

Email