الكذبة الليبية الواهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن معظم ما أبلغنا عنه بشأن ليبيا في السنتين الأخيرتين غير صحيح. فليبيا الحرة كان حرياً بأن تكون دليلاً إعادة تشكيل سياسة أوباما التنويرية في الشرق الأوسط، ولكن ما أن انهار التمرد الليبي ما لبثت الولايات المتحدة إلا أن انضمت إلى فرنسا وبريطانيا في الإغارة على الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وتجريده من سلطته، ويفترض أن ذلك قوى شوكة الربيع العربي الديمقراطي. ولم يؤد ذلك إلى إزهاق روح أي أميركي!

لقد مزج أوباما بين الهوية العرقية وتراث والده الإسلامي، مما أسر قلوب وعقول الليبيين بعد كابوس القذافي. وخلال مؤتمر الديمقراطيين الذي عقد هذا الصيف، أعلن أنصاره وبصوت عالٍ نجاح سياسته في الشرق الأوسط من خلال: مقتل أسامة بن لادن، وسلب قوة تنظيم القاعدة، ووضع الإصلاحيين في ثورة الربيع العربي مكان الحكام المستبدين.

ولإبقاء هذه الرسالة الوضاءة نابضة بالحيوية حتى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، تبدو إدارة أوباما ووسائل الإعلام راغبة في التغاضي عن كل الاضطرابات السابقة أو تحريفها عن مسارها. لقد طولبنا بقرار دولي من أجل المساعدات الإنسانية وفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، لكن تم تجاوز هذا القرار عن قصد من خلال الإغارة على قوات القذافي وقصفها، وذلك بعد تجاوز الكونغرس الأميركي لصالح طلب الجامعة العربية في القيام بهذا العمل.

ونتيجة للفوضى والخلفية القبلية، لا تبدو ليبيا على درجة كبيرة من التحرر. وعلى أي حال فقد تم التخلص من القذافي، الرئيس السابق، ومرتزقته الإفريقيين عن طريق هؤلاء الناس الذين ساعدناهم. وقد بدأ الإسلاميون يعززون سلطتهم من خلال تدنيس مقبرة الجيش البريطاني، وطرد الغرب.

في الذكرى الحادية عشرة لأحداث هجوم الثاني عشر من سبتمبر، قامت جماعة من المتشددين بتفجير السفارة الأميركية ببنغازي، مما أدى إلى مقتل السفير الأميركي، كريس ستيفنز، وثلاثة أميركيين آخرين.

وفي المقابل، أصر المتحدث باسم البيت الأبيض، جي كارني، ومدير المخابرات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان ريتشارد، على أن جرائم القتل وقعت في الوقت ذاته، وأن المظاهرات المرتجلة انحرفت عن مسارها.

حيث لم تكن تتعمد قتل السفير الأميركي وأعوانه الثلاثة. ومن المرجح أن مجموعة متطرفة قد ثارت وبالغت في رد فعلها بسبب تصوير فيلم معاد للدين الاسلامي في الولايات المتحدة وتم بثه على شبكة الانترنت. وقد عقب الرئيس أوباما على الموقف بالقول بأن رد الفعل الغاضب هذا كان أمرا "طبيعيا".

لكن لماذا كانت هذه الضجة المفتعلة؟ لقد تزامن ذلك مع نشر الكثير من أفلام الفيديو على شبكة الانترنت قبل أشهر عدة من أحداث هجوم الحادي عشر من سبتمبر؟ والسؤال المطروح هو هل يمكن للمتظاهرين استخدام قذائف صاروخية وقذائف هاون وقذائف من العيار الثقيل لمهاجمة القنصلية الأميركية ببنغازي؟

ولماذا تعزو الحكومة الليبية أحداث القتل إلى أشخاص تابعين للقاعدة، بينما تمتنع إدارة أوباما عن قول ذلك؟ لننس هذه الأسئلة: بالنسبة لمعظم أحداث سبتمبر، تستمر الحكومات الرسمية وبشكل يائس التشبث بوهم أن كارثة ليبيا كانت نتيجة فيلم واحدٍ مسيء. ومن جانبها انتقدت الأمم المتحدة هذا الفيلم الفظ، وعبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في تصريح لها عن أسفها لحصول أعمال العنف العفوية نتيجة لتجاوزات أحد الأميركيين، وكان ذلك التصريح إبان عودة نعوش القتلى الأميريكيين.

ومع ذلك، استمر مزيد من الحقائق بالظهور، وكان السفير الأميركي ستيفنز قد حذر الخارجية الأميركية وأجهزة الأمن مرارا- من احتمال وقوع أعمال العنف، وحث على أهمية حماية القنصلية، لكن دون جدوى، مما دفع الضابط السابق في الأمن الإقليمي إريك نوردستروم ليقول بسخط: "بأن عناصر طالبان موجودون داخل المبنى". وقد كشف شريط فيديو للهجوم الذي وقع بأنه لم تكن هناك مظاهرات على الإطلاق، بل كان اعتداءً إرهابياً كاملاً.

حتى مع الشك الذي اكتنف المظاهرات، سعت الإدارة الأميركية إلى تبديده، لتؤكد أن هذه المظاهرات جاءت عفوية، وتثبت بذلك بأنها السياسة الأنجح في الشرق الأوسط. وبهذا الصدد لفق نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مناظرة الأسبوع الماضي كذبةً كبيرة مفادها أنه لم يتم إبلاغ الإدارة بأن الأميركيين في ليبيا طالبوا بتوفير المزيد من الأمن. فكانوا كبش فداء الاستخبارات الأميركية التي لم تنجح في حماية الإدارة من الخطر الذي وقع.

إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الجديدة لم تول جهدا في تفسير الفلم المسيء، بل ألقت اللوم على جهاز الاستخبارات لعدم ابلاغها بهجوم القاعدة على القنصلية الأميركية، وأيضا هاجمت حملة رومني لطلبها تفسيرات لمقتل السفير المغدور ومعاونيه. وفي هذه الأثناء، فإن وزارة الخارجية، وفريق أوباما في الوقت الذي يخوضون فيه الانتخابات للمرة الثانية، وأيضا جهاز الاستخبارات، يلقون اللوم بعضهم على بعضهم الآخر.

ما لم تستطع إدارة أوباما تقديمه هو "الحقيقة"، فقد أثبتت معارضة "القيادة من الخلف" في ليبيا امتلاكها برنامج عمل لم يحقق شيئا.

لقد انتشرت الفوضى في ليبيا، وسرق المتشددون ثورة الربيع العربي، ولم تتفكك القاعدة بمقتل زعيمها بن لادن، أو بزيادة عمليات الاغتيال في باكستان بواسطة الطائرات الموجهة عن بعد. وفي المقابل، أصبحت مصر دولة إسلامية، وسوريا غرقت في دماء الثورة..

وفاز أوباما في الانتخابات ولم يفعل أعمالاً خيّرة بالنسبة للأميركيين في الشرق الأوسط أكثر مما فعل الرؤساء الآخرون قبله. وبمعنى آخر، فإن مجمل تجربة الإدارة في ليبيا وعموم دول الشرق الأوسط- كانت بمثابة كذبة واهية.

 

Email