الإسلام والرفق بالحيوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدهشني على الدوام مدى الاختلاف الكبير بين الإسلام والديانات السماوية الأخرى من حيث موقفها تجاه الحيوانات. فالمرء عندما يلقي نظرة على "العهد الجديد" لا يمكن إلا أن يلفت نظره الغياب شبه الكامل لأي إشارة إلى الحيوانات وطرق معاملة الإنسان لها. وبالمقابل فإن الإسلام يشدد تعاليمه على أن الإنسان بينما يمكنه استعمال الحيوانات في أغراض شتى.

والانتفاع بها من خلال أكل لحومها، واستخدامها كوسائل للمواصلات، إلا أنه يتعين عليه أن يكون رفيقاً بها. وفي هذا الصدد يقول الحق تعالى في محكم آياته: "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ". ومن المعروف من خلال السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدي عطفاً خاصاً على القطط، وهناك حديث شريف يتناول حالة امرأة ارتكبت معصية كبيرة بحبسها قطة من دون أن تقدم لها الماء أو الغذاء، ودون أن تسمح لها بأن تمضي في سبيلها لتسعى وراء رزقها.

وتجعل تعاليم الإسلام السمحاء الإنسان مسؤولاً عن تغذية أي حيوان يمتلكه. أما إذا عجز عن القيام بذلك، فعليه أن يطلق سراحه إلى حيث يمكنه أن يجد الغذاء والمأوى. ويقال في هذا الصدد إنه إذا أقبلت قطة عمياء بمعنى حيوان عاجز تماماً، إلى دار المرء، فإن صاحب الدار يصبح مسؤولاً عن رعايتها.

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لدى وجوده في داره ما كان يتردد في القيام من مجلسه لكي يفتح الباب للقطة لتدخل الدار. وهناك قصة شهيرة في هذا الصدد تتحدث عن أن المصطفى كان ذات يوم جالساً على عباءته التي فردها قبل جلوسه فأقبلت قطة ومضت لتغفى جالسة على العباءة، ولم يرد الرسول الكريم إزعاجها فقص قماش العباءة وترك القطة نائمة على الجزء من العباءة الذي كانت قد رقدت عليه.

وينظر إلى القطط في العرف الإسلامي على أنها حيوانات نظيفة يمكن السماح لها بأن تجوب أرجاء الدار كيفما طاب لها. وفي حقيقة الأمر أن صحابياً جليلاً من صحابة المصطفى عليه السلام كني بأبي هريرة بسبب القطة التي اعتاد حملها في كم ردائه. وقد كان هناك سبب عملي للترحيب بوجود قطة في الدار، وهو أنها تحرص على أن تكون الدار خالية من مصدر إزعاج بالغ يتمثل في الجرذان والفئران، بل وبعض المخلوقات الخطرة كالثعابين والعقارب.

غالباً ما كان يتم الاحتفاظ بالقطط في قصور الملوك والأمراء في الممالك الإسلامية. ويحدثنا التاريخ عن قطة كانت تجد ركناً لها تلقى فيه الترحيب في ديوان ركن الدولة. وقد سمح لها بأن تدخل وتخرج من الغرف والقاعات العديدة من القصر حيثما طاب لها وصولاً إلى غرفة ركن الدولة نفسه.

ويقال إنه بمرور الوقت أصبح من المعتاد أنه إذا أراد أحد شيئاً من ركن الدولة عندما يكون مشغولاً مع أناس آخرين، فإنه يكتب مطلبه في رقعة من الورق ويربطها حول عنق القطة، ثم تقوم القطة بالانطلاق إلى قاعة ركن الدولة الذي يلتقط الورقة ويقرأها ويبادر إلى كتابة رده على الورقة نفسها التي تعود بها القطة إلى الرجل الذي تقدم بالطلب. ومن الطريف أنه لا يقال لنا ما إذا كانت هذه القطة العجيبة تحظى بمكافأة عن الخدمة من عدمه!

وفي هذا الصدد يحدثنا التراث العربي الإسلامي عن رجل ورع توفي ولقي ربه فسئل لدى محاسبته عن مبرر للسماح له بدخول الجنة، فرد الرجل مشيراً إلى أنه أقام الصلاة وصام رمضان وتصدق على الفقراء.

فقيل له أنه بينما تعد هذه الأعمال جديرة بأن تجلب له الثواب الجم، إلا أنه سيشق طريقه إلى الجنة لأنه ذات ليلة شتائية باردة كان يمضي في أحد شوارع بغداد، وصادف قطيطة ترتعش برداً، فبادر إلى التقاطها واصطحابها إلى الدفء والراحة في داره، حيث قدم لها الطعام واعتنى بها. ولهذا العمل البسيط من أعمال الرفق بالحيوان فإنه سيجد مكانه في الجنة.

وبالمقابل نشهد في الغرب إلحاق العديد من أشكال الأذى بالحيوانات كما يحدث لدى حبس الطيور في أقفاص، وهو شيء يخالف ما درج عليه العرف الإسلامي. وعلى الرغم من أن مثل هذا الطير الحبيس ربما تتم تغذيته بصورة جيدة، إلا أن السؤال هو: ألا يؤثر هذا الطائر ان يمضي حراً طليقاً كما خـُلق ليبني عشه ويضع بيضه ويتيح المجال لفقس صغاره!

ونحن نعلم من السيرة النبوية الطاهرة أن أحد الصحابة الكرام اعتاد شراء العصافير من الصبية الذين يمسكون بها لكي يقوم بعد ذلك بإطلاق سراحها. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه أن من يقتل عصفوراً بلا سبب سوف يحاسب على ما قام به. ومن هنا فقد منع المسلمون من أن يجعلوا الحيوانات تقاتل بعضها بعضاً لمجرد الاستمتاع برؤية صراعها. وهكذا فإن أموراً مثل صراع الديكة والدببة كانت منتشرة في أوروبا في الماضي ولكن الإسلام الحنيف حظرها تماماً رأفة بالحيوانات والطيور وشفقة ورحمة بها.

Email