الانتخابات الأميركية وحزب غير الناخبين

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيفما قرأنا استطلاعات الرأي، فإننا نجد أن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2012 تتحول إلى أمر لا يمكن التكهن به. فالحاكم السابق ميت رومني والرئيس الأميركي باراك أوباما يكادان يتعادلان بين الناخبين المحتملين.

ويبدو أن الدفعة التي حصل عليها رومني من المناظرة الأولى قوبلت بدفعة حصل عليها الرئيس الأميركي من تقرير الوظائف الجيد لشهر سبتمبر. (ولن نعرف النتائج الحقيقية للمناظرة الرئاسية الثانية قبل أسبوع آخر.)

ولكن حذار، فاستطلاعات الرأي التي تضم "ناخبين محتملين" تفتقر إلى الدقة لأنها تشمل كل من يقول إنه سيصوت على الأرجح - بمن في ذلك أولئك الذين يأملون أن يصوتوا ولكنهم لن يفعلوا ذلك، وأولئك الذين لن يصوتوا ولكنهم لا يريدون الاعتراف بذلك. ولا يتمثل أكبر حزب في أميركا في الحزب الديمقراطي ولا في الحزب الجمهوري، وإنما في حزب غير الناخبين، وهو الحزب الذي يزيد عدد أعضائه على عدد الديمقراطيين والجمهوريين المسجلين.

وفي انتخابات رئاسية نموذجية، تكلف غالبية هزيلة من الأميركيين أنفسهم عناء التصويت. ومنذ الحرب العالمية الثانية، تراوحت نسبة إقبال الناخبين بين 50% و 60%. وفي هذا الصدد، كان عام 2008 عاما غير عادي، حيث دفع 63% من الأميركيين إلى صناديق الاقتراع.

ويتألف حزب غير الناخبين في مجمله من ذوي الدخل المنخفض. ومعظم أعضائه هم من البيض الفقراء والسود واللاتينيين والشباب.

وفي عام 2008، ترك عدد كبير من أولئك الأعضاء حزب غير الناخبين، وتوجهوا الى صناديق الاقتراع. وعلى سبيل المثال، فقد صوت ما نسبته 65% من السود المؤهلين. وكذلك الأمر بالنسبة ل49% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، وهي الفئة العمرية الأقل ميلا عادة للتصويت. وتوجه اللاتينيون أيضا إلى لجان الاقتراع بأعداد كبيرة على نحو غير عادي.

وقد صوت معظمهم لباراك أوباما. وبالتالي فإن السؤال الحقيقي في عام 2012 يدور حول من من المرشحين سيكون أنصاره المحتملون أكثر حماسا للتصويت، وحول ما إذا كان الرئيس أوباما يستطيع التعويل على نسبة قريبة من نسبة الإقبال التي حظي بها عام 2008. في عام 2008، كان الأمل هو الحافز الأكبر. ولكن هذه المرة ليس هناك الكثير من الحماس لأي من المرشحين. فالقاعدة الجمهورية لم تحب رومني بشكل خاص على الإطلاق، والعديد من الديمقراطيين خاب أملهم في أوباما. والحافز الأكبر هذه المرة هو الخوف من الرجل الآخر.

هناك سبب واضح لخوف أعضاء حزب غير الناخبين من رومني ونائبه بول رايان. فمن شأن ميزانياتهما ال"روبن هودية"، ولكن بالمقلوب، أن تأخذ من الطبقة الفقيرة والمتوسطة وتكافئ الأغنياء. ومن شأن عزمهما على تحويل "ميديكير" إلى برنامج قسائم، وبيع "ميديك إيد" للولايات المفلسة ماليا أن يضر ببعض أضعف أفراد مجتمعنا.

واللاتينيون هم الآخرون قلقون من دعم رومني لقانون الهجرة الصارم المعتمد في ولاية أريزونا، والذي يسمح للشرطة بأن توقف الناس لمجرد أنهم يبدون لاتينيين، ومن حماسه لما يسمى ب"الترحيل الطوعي"، أي تصعيب حياة العمال غير الموثقين إلى درجة إجبارهم على الرحيل.

ويخاف الشباب، الذين يميلون إلى الليبرالية في القضايا الاجتماعية، من معارضة رومني ورايان للإجهاض، ورفضهما للمساواة في حقوق الزواج. ونتيجة لذلك، فإنهم يقلقون، أيضا، بشأن من قد يختاره رومني للمحكمة العليا.

ولكن هل ستكون هذه المخاوف كافية لدفع هؤلاء الناس إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة؟ يتسم رومني بالتقلب إلى درجة أنه في المناظرات تخلى عن كل ما دافع عنه سابقا، وأخفى الكثير من مواقفه السابقة، بل وبدا معتدلا إلى حد ما. وفي غضون ذلك، عمد الحزب الجمهوري ومساعدوه في شبكة "فوكس نيوز" والإذاعة، على امتداد أربع سنوات، إلى نشر أكاذيب فظيعة عن الرئيس الأميركي، مدعين أنه لم يولد في أميركا، وأنه "اشتراكي"، وأنه لا يشاركنا قيمنا الأميركية. لقد فاقموا المخاوف في نفوس شعب عانى من أزمة اقتصادية تسبب بها الجمهوريون إلى حد كبير، فيما قاموا بإخفاء جورج بوش عن الأنظار، حتى لا نتذكره.

وقد وجهوا هذه المخاوف نحو الرئيس أوباما ونحو المؤسسات المركزية لديمقراطيتنا، مصورين إدارته وحكومتنا باعتبارها العدو. ويبدو أنهم أقنعوا ما يقرب من نصف الأميركيين بأكاذيبهم، بمن فيهم العديد من أولئك الذين من شأنهم أن يعانوا أشد المعاناة في عهد رومني ورايان. ومن شبه المؤكد أن هذه المخاوف والأكاذيب ستقود العديد من الأميركيين إلى صناديق الاقتراع. الجمهوريون متمرسون في سياسة التخويف وإطلاق الأكاذيب الكبيرة.

ويتمثل التحدي الذي سيواجهه أوباما ونائبه جو بايدن، خلال الأسابيع المقبلة، في دحض تلك الأكاذيب المخيفة بالحقيقة. وليست تلك الحقيقة هي وحدها ما يرجح لرومني ورايان أن يفعلاه لأميركا في حال تم انتخابهما. وينبغي لأوباما وبايدن أيضا أن يعيدا إحياء الآمال بشأن ما يمكنهما القيام به، وأن يحسنا، في حال أعيد انتخابهما، حياة معظم الأميركيين بشكل مطرد.

 

Email