احتضان أبو ظبي لاجتماعات اللجنة العليا العمانية الإماراتية المشتركة، كانت له دلالة واضحة، من خلال الاهتمام الكبير لوسائل الإعلام في البلدين الشقيقين.

فمستوى الوفد كان رفيعاً، وجاء بأمر من جلالة السلطان قابوس بن سعيد، كلف برئاسته وزير ديوان البلاط السلطاني معالي السيد خالد بن هلال بن سعود البوسعيدي.

وفي إطار توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، كان الاستقبال أكثر من حار وأكثر من حميم، من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الوزراء وزير شؤون الرئاسة رئيس الجانب الإماراتي في اللجنة العليا الإماراتية العمانية المشتركة.

وكانت محاور اللقاء كل ما يخدم مصلحة الشعبين ويلبي تطلعاتهما، وفي كافة المجالات، وبالأخص التسهيلات على المنافذ الحدودية البرية، وتعزيز انسيابية الحركة والنقل، واستعادة للتوهج الذي درجت عليه اللجنة العليا بين البلدين منذ اليوم الأول لتشكلها، كنتاج طبيعي لإملاءات الجغرافيا ورغبة وعزيمة الرجال التي لا تلين، فالغرس الأول كان لقيادتي البلدين السلطان قابوس، حفظه الله، والشيخ زايد، طيب الله ثراه، اللذين رسما الغد المشرق للمحبة والأخوة والارتقاء بها إلى آفاق أرحب وأوسع، وبعد أيام من ذلك اللقاء التاريخي، قبل أكثر من عشرين عاماً، عقدت اللجنة العليا اجتماعها الأول.

وفي اليوم الثاني، انتقلنا بالبطاقة الشخصية، وقبل كل دول مجلس التعاون الأخرى، وأحسسنا جميعاً بعمق التاريخ ودفئه، وما يحمله من خصائص اجتماعية وثقافية ووشائج قربى. سعدنا وافتخرنا بما أقره قائدا الشعبين السلطان قابوس، والشيخ زايد، رحمه الله، وأقررناه بدورنا كشعوب في وجداننا وضمائرنا، واستدعينا مقومات التكامل، وفعّلنا الخطى في كافة المجالات.

اليوم ينتصر الشعبان الشقيقان على خفافيش الظلام وجدلية التآمر. كسرا حاجز الشك والريبة في صحوة للعزة والمحبة، انتصر القائدان وخلفهما شعباهما التوأم على المزايدين والمنافقين، وأخرسا، وإلى الأبد، أصوات النشاز من الدهماء والحاقدين المندسين بين ظهرانينا. اليوم دحرنا العوائق، وأعدنا توجيه التاريخ وترتيب الأولويات التي سنبني عليها القواعد الصلبة للحاضر والمستقبل، مسترشدين بحكمة من ألهمنا الأمل وأضاء لنا الطريق قبل أكثر من ربع قرن؛ السلطان قابوس، والشيخ زايد، طيب الله ثراه، والشيخ خليفة، حفظه الله.

اليوم، تتوقف فيروسات الإنترنت عن النمو، بل تنفُق، لأنها لن تجد ما يسد رمقها لابتداع الفتن وترويج الشائعات والدردشات العقيمة المنحرفة والمريضة لمخلفات الماضي ومعوقاته.

اليوم خابت آمالهم بأنهم لن يستطيعوا تأخير التطلعات أو تعطيلها، لأن عزائم الرجال المخلصين تجاوزت التداعيات والتبعات، وتلك المعوقات لذلك الماضي، فعمان والإمارات أكبر من تلك التراهات، فما يجمعنا أكثر وأعظم مما يفرقنا.

فليس هناك ما ينتقص من سيادة البلدين، بل هناك ما يعززها ويكسبها قوة ومنعة وازدهاراً. علينا ألا نكتفي بما هو منجز وقائم، قياساً بما هو متاح، فنحن أهم بلدين، ليس في الخليج والجزيرة العربية فحسب، بل في الشرق الأوسط، من دون مبالغة. فعمق جغرافي وديمغرافي متميز، وموقع استراتيجي وحيوي فريد.

نطل على ثلاثة بحار ومحيط، وموانئ ومطارات على خطوط الملاحة البحرية والجوية والتجارة الدولية، بين الشرق والغرب وما بينهما. ثروات معدنية هائلة، نفط وغاز وجبال من المعادن لم تستثمر بعد.

تنوع مناخي وتضاريس مبهرة، رمال وجبال وسهول ووديان وصحارى وشواطئ وتراث. موانئ ومشاريع عملاقة؛ ميناء السلطان قابوس، وميناء صحار وصور على بحر عمان، منطقة الدقم الاقتصادية والصناعية، والحوض الجاف، وميناء صلالة للحاويات على بحر العرب..

 تتكامل مع ميناء زايد، وميناء راشد، وميناء خليفة، وميناء جبل علي، والحمرية والشارقة والفجيرة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين.. قوائم طويلة وعريضة من الفرص الاستثمارية في السياحة والسفر والنقل والمواصلات، والتكامل في المجالات العلمية والتقنية، ومجالي العمل والتدريب، لنصبح عمقاً اقتصادياً، وطوق أمان لبلداننا الخليجية وما يحيط بنا من مخاطر وتهديد لمنافذنا البحرية.

هذه آمال قادتنا، وهي طوق في أعناقنا، هذه صرخة مدوية منا جميعاً لأنفسنا، ودعوة صادقة لرجال دولتينا ورجال أعمالنا، ودعوة لمفكرينا ومثقفينا وكتابنا، وشبابنا عماد حاضرنا وكل مستقبلنا، لترجمة ما أقرته وتقره قيادة شعبينا للحفاظ على مكتسباتنا وحاضرنا المزدهر، ومستقبلنا المشرق بإذن الله. فالكيانات الصغيرة ليس لها نصيب في البقاء في عالم اليوم، عالم التكتلات الكبرى، إلا بالتكامل والتوحد.