بينما ينظر إلى الكلاب في العرف الإسلامي على أنها تفتقر للنظافة، ولا ينبغي الاحتفاظ بها إلا لأغراض تتعلق بالمساعدة في رعي المواشي، أو الصيد أو حراسة الدور، فإنها تعتبر في الوقت نفسه جديرة بالرفق بها. بل إن هناك كتابا من كتب التراث يحمل العنوان الغريب الدال على ذلك وهو "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب"، وهو يحتوي على العديد من القصص حول كيف أن الكلاب تساعد الإنسان كثيرا، وكيف أنها تمضي إلى حد الاستعداد للمخاطرة بحياتها من أجل البشر الذين يعتنون بها ويرعونها.

وهناك حديث شريف حول رجل كان مسافرا وفي أمس الحاجة إلى ماء للشرب، وعندما عثر على بئر هبط إلى قاعه وشرب كفايته من الماء، ولدى خروجه من البئر وجد كلبا يلهث وقد اشتد به العطش، فمضى يلحس الأرض الرطبة المحيطة بفوهة البئر، فأشفق الرجل عليه، وهبط إلى البئر ثانية وملأ حذاءه بالماء، وسقاه للكلب، فكان ذلك سببا لثواب عظيم أصابه، وأدخله الجنة.

وفي الوقت الذي كانت هناك مستشفيات قليلة للبشر في أوروبا، كان العالم الإسلامي يشيـّد المستشفيات المخصصة لعلاج الحيوانات المريضة ورعايتها. وفي تاريخ صدر الإسلام، هناك قصة تروى عن القائد العربي الشهير عمرو بن العاص، الذي حرر مصر من حكم الرومان المفعم بالبطش. وخلال فتح مصر، وجد أن حمامة قد اتخذت عشا لها في أعلى خيمة كبيرة تعرف بالفسطاط، فأمر بألا تحرك الخيمة من موضعها إلا بعد أن يفقس بيض الحمامة، وتبلغ الحمامات الصغيرة عمرا يتيح لها أن تحلق بعيدا. ولا يزال ذلك الجزء من القاهرة الكبرى الذي حدث فيه ذلك، يعرف باسم الفسطاط.

وعندما عدّد الرسول الكريم الكائنات التي لا ينبغي أن تذبح، كان الهدهد من بينها، وهذا الطائر الذي عادة ما يشاهد في صورة أزواج، يقال إنه إذا نفق أحد الزوجين، فإن الزوج الباقي لا يتخذ زوجا آخر له طوال حياته. ويقال أيضا إن الهدهد يتمتع بالقدرة على استكشاف المياه الجوفية تحت منطقة بعينها.

وبينما يقرّ الإسلام بأن الإنسان خلق باعتباره كائنا يأكل اللحم والخضار، فإن تعاليمه تشدد على أن الإنسان ينبغي أن يبذل قصارى جهده ليجنب الحيوان المعاناة غير الضرورية إذا تعين ذبحه. وعلى سبيل المثال، فلا بد أن تكون السكين التي تستخدم في ذبح الحيوان حادة النصل، وينبغي الحرص على ألا ترى الحيوانات الأخرى التي في سبيلها لأن تذبح، حيوانا يذبح أمامها فيما هي تنتظر دورها.

ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه عندما رأى رجلا يشحذ سكينا أمام الحيوان الذي سيذبحه بها، لم يتردد في تأنيبه ومساءلته عما إذا كان يريد أن يذبح الحيوان مرتين؛ مرة بشحذ السكين أمامه وأخرى بذبحه بصورة فعلية.

وقد أشيرَ في التقاليد الفكرية الإسلامية، إلى أن المسألة المتعلقة بكيفية معاملة الحيوانات لا تدور حول ما إذا كان الإنسان أسمى من الحيوانات، وإنما السؤال الوحيد الذي ينبغي أن يطرح هو: هل يمكن أن يعاني الحيوان؟ والإجابة عن هذا السؤال هي بالطبع أن الحيوانات، شأن البشر، يمكن أن تعاني عضويا لأن أجسامها لا تختلف في جوهرها كثيرا عن أجسامنا. وقد كتب الفيلسوف الفرنسي مونتان يقول إن الإنسان الذي يمكنه أن يكون قاسيا حيال الحيوان، يميل أيضا إلى أن يكون قاسيا مع البشر.

وفي ما يتعلق بهذا الموضوع، فإن الأدب العربي القديم يحدثنا عن أحد الخلفاء الذي كان قد قرر أن يعين رجلا ما في منصب القضاء الذي يحظى كما نعلم بأهمية بالغة. وقد طلب من الرجل أن يزوره ليحدثه عن طبيعة العمل الذي سيسنده إليه، وفيما كان الخليفة يطل من نافذة عالية، شاهد الرجل لدى وصوله ممتطيا جواده، فإذا به يلطم الجواد على وجهه وهو يحكم قيده. وبعد أن رأى الخليفة ذلك، غير رأيه في تعيين الرجل قاضيا، إذ كيف يمكن للرجل الذي يعامل حيوانا عاجزا بهذه الطريقة، أن تسند له سلطة على رفاقه من البشر؟

وقد كان الشاعر الشهير أبو العلاء المعري، يرفض تناول العسل قائلا إن ذلك بمثابة قسوة حيال النحل، وعندما قيل له إن هناك حيوانات لاحمة لا تأكل إلا الحيوانات الأخرى مثل الأسود والنمور، رد قائلا بأن هذه الحيوانات خلقت آكلة للحوم ولا يمكن أن تبقى على قيد الحياة إلا بها، بينما خلق الله عز وجل الإنسان، فجعله قادرا على أن يبقى حيا بأكل الخضار والفاكهة فحسب.

وإذا وُضعنا نحن البشر موضع المقارنة مع الحيوانات، فإننا نعد أقوى منها كثيرا، ويمكننا أن نعطيها الكثير على الرغم من أنها في حقيقة الأمر لا تحتاج إلا القليل، لأنها ليست كالبشر الذين يطمعون في الحصول على المزيد دوما. فالحيوانات تعيش يوما بيوم، وأقل ما نحن مدينون لها به هو ألا نلحق بها الأذى، وأفضل ما نقدمه لها هو أن نبدي لها الشفقة والعطف.