أوباما ورومني وحكايات «إيسوب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحول السباق الرئاسي الأميركي لعام 2012، إلى ما يشبه حكاية السلحفاة والأرنب البري في "أساطير إيسوب" الكلاسيكية. فبعد كل هجوم إعلامي جديد ضد ميت رومني غير المتكلف، يتقدم الرئيس الأميركي باراك أوباما الأكثر إثارة للإعجاب، بثلاث أو أربع نقاط في استطلاعات الرأي، لا لشيء إلا ليتراجع لاحقا إلى نقطة التعادل تقريبا مع تلاشي الاهتمام. وفي تلك الأثناء، تواصل السلحفاة رومني، حانية رأسها على مسار الحملة، السير ببطء نحو خط النهاية في نوفمبر المقبل. ويوما بعد يوم، لا يحدث شيء مميز، لا شيء سوى التقدم المتثاقل المتمثل في مؤتمر لا بأس به، وخطب تفي بالغرض، ومرشح غرب أوسطي لمنصب نائب الرئيس يتمتع بقدر من الاطلاع والموثوقية، والتصحيحات المحافظة المعتادة للتجاوزات الليبرالية.

وقد مررنا حتى الآن بمختلف رسوم أوباما الكاريكاتورية لميت رومني المخيف، القرصان المالي الذي يصدر ثروته إلى الخارج، والمعادي للمرأة الذي يشن حربا على النساء، والعنصري الحقيقي الذي تستهدف تخفيضاته المقترحة في الميزانية الطبقات الأفقر في أميركا، والمعادي للمهاجرين غير البيض بصورة رئيسية، والمتحيز على أساس العمر، العازم على تفكيك برنامج الضمان الاجتماعي، وشبه القاتل الذي لا يكترث كثيرا لموت الأبرياء في حطام شركته "باين" المدرة للأرباح. وعند كل منعطف، يحظى الرئيس أوباما ببعض التأييد، ويكسب بعض النقاط القليلة، ومن ثم ينزلق عائدا إلى نقطة التعادل.

فكيف يحتمل الترس السميك الذي يغطي ظهر السلحفاة رومني، هذه الهجمات المحمومة فيما تواظب هي على العودة إلى نقطة التعادل في استطلاعات الرأي؟

باراك أوباما، لا يضاهي الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في نجاحه. فهو، قبل أربع سنوات، خاض السباق الرئاسي على أساس نوع جديد من الكياسة، ووضع حد للشتائم، واستفظاع المشاحنات الحزبية. وإلى حد كبير، استطاع أوباما الذي لم يكن معروفا، ولم يكن له سجل، أن يلتزم بأخلاقياته المعلنة في عام 2008. وقد كان ذلك، في نهاية المطاف، أمرا سهلا، مع تدفق التبرعات، واتسام حملة ماكين بالتهذيب والخجل معا، وافتتان الملايين بتفاهات الأمل والتغيير اللذين لم تتم تجربتهما من قبل.

ولكن جميع الإعلانات السلبية الجديدة، لا تظهر أوباما الآن إلا بمظهر المنافق. ومن المنطلق نفسه، فقد تمثل التحدي الوحيد الذي طالما واجهه رومني، في كونه صريحا بلا مبالاة وعلى نحو متوقع. وإذا كانت تلك الطبيعة تعني عجزه عن رفع الآمال أو تغيير الخطب، فإنها تضمن في الوقت ذاته أن يعتبر نعته بالآثم منافيا للعقل، ويؤثر سلبا على الناعت أكثر من تأثيره على الهدف المقصود.

ولا يستطيع أوباما أن يخوض السباق الرئاسي على أساس سجله المتمثل في برنامج "أوباما كير"، وسياسة إعادة الضبط الخارجية، والتمهيد لعجز كينزي، وتفضيل طاقة الرياح والطاقة الشمسية على اكتشاف احتياطيات جديدة هائلة من النفط والغاز. والأمر الذي أهلك في نهاية المطاف الرؤساء الأميركيين السابقين؛ جيري فورد في عام 1976، وجيمي كارتر عام 1980، وجورج بوش في عام 1992، هو أنهم، هم الآخرون، لم يرغبوا في التحدث عن الاقتصاد في مناوباتهم، وزعموا، بدلا من ذلك، أن خصومهم سيكونون أسوأ منهم بكثير، إلى درجة أنهم لن يكونوا أهلا للمنصب.. ومثل هذه الأساليب لا تجدي نفعا عادة.

وفي حالة أوباما، فإن 42 شهرا من بطالة تزيد نسبتها على 8%، وزيادة بطيئة في الناتج المحلي الإجمالي، ووقود يبلغ سعره 4 دولارات للغالون الواحد، وانخفاض حاد في متوسط دخل الأسرة، واعتماد قياسي على طوابع الغذاء، وعجز في الميزانية بقيمة تريليون دولار، ودين وطني جديد بقيمة 5 تريليونات دولار.. أمور لم تعد قابلة لأن يتم تصنيفها على أنها "صيف انتعاش" أو إرث خلفه جورج بوش، وبالتالي فإنها تركت بلا إتيان على ذكرها.

ولا يزال السباق الرئاسي الحالي يمثل معركة متأرجحة، لأنه على الرغم من جميع مزايا المنصب وكاريزما الرئيس، فإن الجمهور ليس سعيدا بسجل إدارة أوباما في ما يتعلق بالاقتصاد. وهو لا يعتقد، على الأقل عند هذا المنعطف، أن رومني هو الشرير الذي تصوره حملة أوباما.

ومع ذلك، فإن رومني يتقدم بتثاقل، وليس بسرعة، لأنه لا يضاهي الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في فصاحته. وهو أيضا أول مرشح مورموني في الانتخابات العامة، ورجل فاحش الثراء، في الوقت الذي يزداد غضب الأميركيين بشأن كونهم أفقر بكثير مما كانوا عليه قبل أربع سنوات.

وأميركا هي الأخرى ليست على استعداد للاعتراف بأنها تصرفت بجنون في عام 2008، وصوتت لتفاهات "الأمل والتغيير" المحرجة التي قدمها سناتور لا يعرف عنه الكثير، سيرته الذاتية محدودة وخبرته الوطنية ضئيلة. ومن جديد، فإنه ليس هناك من ناخب يود الاعتراف بأنه اقتيد إلى صناديق الاقتراع، منتشيا بالموسيقى المعسولة الصادرة من الوعود الجوفاء.

ومفارقة أوباما الحالية، هي أنه كلما ازداد سلبية ضد رومني، بدت افتراءاته أقل قابلية للتصديق، وبدا هو، الذي نصب نفسه مصلحا أخلاقيا، أقل رئاسية. ومع ذلك، فإن أوباما، نظرا لأن الاقتصاد لن يشهد تحسنا ملحوظا بحلول نوفمبر المقبل، يعتقد أنه يتعين عليه المثابرة، على أمل اكتشاف فضيحة حقيقية لرومني، أو الادعاء بأن أميركا مهددة من الخارج، وتحتاج إلى وحدة وطنية.

وفي إطار منعها لحدوث انتعاش حقيقي أو حرب مفاجئة، تفوز السلحفاة رومني، الرصينة والمتثاقلة، ببطء شديد في السباق ضد الأرنب أوباما، الأكثر تألقا وسرعة، والمتراجع دائما مع ذلك.

 

Email