كان لا بد من أن يأتي اليوم الذي يتعين علي فيه القيام بأول ظهور لي في المحكمة، وليست أي محكمة، بل المحكمة العليا في لندن.
وكنت، طبعا، قد عقدت جلسة طويلة بالفعل مع المحامي الذي كان يبحث في القضية، شرح لي خلالها أن ما يتعين علي القيام به في المحكمة كان بسيطا جدا، حيث إنه كانت هناك قضية مطابقة تماما للقضية التي كان يتعين علي حضورها، وأنه كل ما كان يفترض بي القيام به هو لفت انتباه القاضي إلى الحكم الإيجابي الذي كان قد صدر لصالح مقيم الدعوة في هذه القضية.
وقيل لي إنه يتعين علي أن أدعو القاضي على الدوام بلقب "صاحب السيادة"، في حين أنه في المحاكم الأقل درجة كان يشار إليه فقط بلقب "المحترم"، وأنه يتوجب علي أن أبقى جالسا إلى أن ينادي على اسمي أحد الحجاب في المحكمة.
هكذا فإنه، في اليوم المذكور، ارتديت عباءتي، ووضعت شعري المستعار، وذهبت إلى المحكمة، حيث تعقد جلسة الاستماع الخاصة بقضيتي وجلست فيها. كان هناك عدد من محامي المحاكم العليا، كلهم يرتدي الملابس حسب الأصول ويضع شعره المستعار ويرتدي عباءته، كما جرت العادة.
وما أن ينادى على القضية حتى يقف أحد المحامين ويخاطب القاضي بـ"صاحب السيادة"، وأحيانا كان ينهض محام آخر أيضا من مقعده ويطرح بعض الاعتراضات على ما يقوله المحامي الأول. أما القاضي، الذي كان يجلس عاليا قبالته على مكتب وحده، فكان ينطق بعد ذلك بحكمه لصالح أحد المحاميين. وما أن قام بإصدار حكمه، حتى جمع المحاميان أوراقهما، وانحنيا للقاضي، وغادرا المحكمة.
بقيت بعد ذلك بمفردي في المحكمة مع محام آخر وحيد يجلس بجانبي، وكانت تعليماتي تقضي بأن أبقى جالسا هناك إلى أن ينادى على قضيتي، وهذا ما فعلته، فيما كان القاضي ينظر إليّ من عل مقطباً. وفي النهاية، أومأ القاضي إلى أحد الكتبة بالتوجه للوقوف بجانبه لسماع ما كان يريد أن يقوله.
وبعد فترة طويلة، تقدم الكاتب إلى جانبي، وقال لي إن سيادته يرغب في معرفة اسمي، ومن ثم ناولني قلم حبر وورقة وقعت عليها، لكنني بعد ذلك كتبت اسمي بالخط العريض خشية أن لا يتمكن القاضي من قراءة خطي. وعندما تسلم القاضي الورقة خاطبني قائلا: "السيد جونسون- ديفز، هل يمكنني أن أسالك ماذا تفعل بجلوسك هنا في محكمتي؟ فأجبته: "سيدي، إنني أنتظر أن ينادى على قضيتي".
فأومأ القاضي ببعض الإشارات إلى الكاتب وقال له بعض الكلمات. انحنى الكاتب معتذرا من القاضي، ومن ثم أعلن بصوت عال اسم القضية التي كان من المفترض أن أشارك فيها، ثم قام القاضي بمخاطبتي فانتفضت واقفا. قال لي: "السيد جونسون-ديفز، أرجو منك تقبل خالص اعتذاري، لكنها المرة الأولى التي أراك خلالها في محكمتي، فهلا تكرمت وأعلمتني بوجهة نظرك حول القضية التي تمت المناداة عليها أخيرا".
فأجبته بصوت مرتجف: "سيدي، أنا أمثل المدعي في القضية المطروحة، وأريد أن ألتمس القول إنها متطابقة مع كل الحالات الخاصة بقضية أخرى تقدمت بها هيئة "موتور ترايد" البريطانية، حيث كسب المدعي القضية. لذا ألتمس من سيادتك أن تمنح موكلي أيضا الفوز هذه المرة".
نظر القاضي إليّ من عل، وارتسمت على وجهه ابتسامة غريبة، كان بإمكاني أن أدرك أنه لن يتركني لشأني بالسهولة التي تنبأ بها المحامي.
قال القاضي لي: السيد جونسون-ديفز، أود أن أشير إليك بصريح العبارة أن قضيتك الحالية لا يمكن القول إنها متطابقة مع القضية السابقة. دعني، على سبيل المثال، أقتبس لك فقرة من قضية "دوغكينز مقابل كاتكينز".
كنت في حالة ضياع كامل حول كيفية الرد على القاضي، لأنه لم يسبق لي أن سمعت بمثل هذه القضية. ولحسن حظي، همس لي المحامي الجالس بجانبي، والذي ينتظر المناداة على قضيته، من جانب فمه قائلا: القاضي يمزح معك. قل له إنه كان كل من "دوغكينغز" و"كاتكينغز" على خطأ، وبأن القاضي كان محقا في أن يطلب منهما مغادرة القاعة، وعدم العودة أبدا. أطلق القاضي ضحكة سريعة وهنأني على إجابتي، وقال: "السيد جونسون-ديفز، لقد أجبت على سؤالي بشكل رائع، وأنا أتطلع لرؤيتك مجددا في محكمتي. وفي هذه الأثناء، فإنني أمنحك الأمر الذي تسعى إليه، متمنيا لك كل النجاح خلال مهنتك كمحام في المحاكم العليا".
فأجبته: "أشكرك، يا صاحب السيادة"، ومن ثم جمعت أوراقي، وهمست بكلمة شكر للمحامي الذي كان جالسا بجانبي لمساعدته لي، وأسرعت خارجا من قاعة الحكمة.
كانت هذه هي المرة الأولى لي في المحكمة، وتمنيت من الله أن تبرهن تجاربي المقبلة على أنها أقل إثارة للرهبة.