الجسر الصعب بين من يملكون ومن لا يملكون

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تتذكرون الأيام الخوالي، عندما كان قادة الدول المتقدمة يعقدون مؤتمرات القمة ليقرروا كيف يحلون مشكلات فقراء العالم؟ الآن هم فقراء العالم، ورغم ذلك فإنهم فيما يبدو لا يعرفون ذلك. أعني أن اليونان شاركت بفريق في مباريات يورو لكرة القدم، بينما ربما كان ينبغي لها أن تنشغل بأمور أخرى أكثر أهمية.

كيف أصبح العالم الأول على هذه الشاكلة؟ عن طريق تبني ممارسات أولئك الذين كان العالم الأول يسعى إلى تغييرهم بكرمه وسخائه.

في الأمم التي مالت تاريخيا إلى الفقر، تعد النزعة الجماعية هي العرف، وأولئك الذين يسعون إلى الخلاص من القيود الجماعية وإبعاد أنفسهم عن الجمود، يبادرون تقليديا للهجرة إلى أماكن أخرى، لتحقيق النجاح وإحراز شيء لأنفسهم، وهم يحصلون على تعليمهم ويحققون النجاح في بلد يكافئ التفكير المستقل والإنجاز الفردي، ثم يعودون إلى بلدهم الأصلي بعد ذلك بكثير، حيث تفصلهم إنجازاتهم عن الآخرين.

ويرد على الذهن في هذا للصدد كأمثلة بارزة، رئيس بيرو السابق أليخاندرو توليدو ورئيس وزراء مالي الحالي الشيخ موديبو ديارا (الذي كان في السابق رئيسا لميكروسوفت إفريقيا)، حيث تعين أن تكون هناك حاضنة لهم، أي مكان يغذي الفكرة القائلة بأن أي شخص يتمتع بالموهبة المطلوبة والشجاعة والقدرة على الانطلاق، يمكنه أن يحقق ما هو أفضل مما كان يمكن أن يحققه في البلد الذي ولد فيه.

لقد انقسم العالم حتى الآن إلى دول منتجة للثروة ودول ممتصة للثروة، وليس من قبيل الصدفة أن المجتمعات المنتجة للثروة هي المجتمعات المتسمة أكثر بالطابع الفردي. وقد أتى حين من الدهر كانت فيه القمم العالمية تأتلف للتفاوض على كم من الثروة يتعين نقله إلى الدول الفقيرة من أجل مكافحة الفقر.. وأيا كان ما يتم إرساله إلى تلك الدول في وقت لاحق، فإنه كان يتم امتصاصه إلى الهاوية، تماما كما تمتص نبتة صحراوية الماء.

ترى، هل كان يمكن أن يتصور العالم وقتا يجف فيه دفق الأرصدة من الدول الغنية؟ حسنا، لقد حل هذا الوقت، وذلك لأن مفهوم الجماعي في الدول الغنية سابقا، قد أصبح قيمة أكثر نبلا من النجاح الفردي.

ليس هناك شيء يدعى "الدولة الغنية" بالمعنى الجماعي، فثروة أي عدد بعينه من السكان، هي نتيجة الإنتاجية المستقلة والابتكار الخاصين بالأفراد الموجودين بين ظهراني هؤلاء السكان.

على مر العصور تعرض هذا المفهوم للفساد، وعندما بدأ سكان دول العالم الأول في شراء ما يتجاوز ما كسبوه، وفي مستوى من المعيشة يتجاوز ما أنتجوه بأنفسهم، فإن ملايين العقليات انتقلت من عقلية الاعتماد على الذات إلى عقلية الاعتماد على الجماعي.

ومع إضفاء الطابع الاجتماعي على مفهوم النجاح، تم إضفاء هذا الطابع نفسه على فكرة المسؤولية. وإذا لم تكن في سبيلك لدفع أقساط رهنك أو سداد بطاقات ائتمانك، فمن الذي تعتقد أنه سيقوم بذلك من أجلك؟ وكيف تختلف هذه العقلية بالضبط عن عقلية السكان الذين يعتمدون بأسرهم على الدعم الخارجي لمواصلة البقاء على قيد الحياة؟

إن إفريقيا تعتمد على أميركا، وأميركا تعتمد على القابلية الشخصية للحياة، وعلى إنتاج الأميركيين وتوريدهم للثروة، ولكن متوسط الحال في أميركا الذي يملك بيتا مثقلا بالرهونات، يعتمد على إنتاجية جاره، والجار يعتمد على مصرفه، والمصرف يعتمد على الصين، وإفريقيا تعتمد الآن على الصين، وما يتم القيام به الآن هو تقزيم الرجال المتوسطين، أي متوسط الحال وجاره ومصرفه وأميركا.

ولكن كون العالم الأول يعاني متاعب مالية، لا يعني أنه لا يستطيع دفع المستحقات على الجميع. لا ضرر في أن يواصل الجميع مد أيديهم إلى طبق طعام العالم الأول، حتى رغم أن الجميع يمكنهم بوضوح أن يروا أن هذا الطبق فارغ. فالضجة التي تحدثها قعقعة طبق فارغ، هي عادة سبب كاف لإعادة ملء هذا الطبق، والعالم الأول ربما لم تعد لديه بذور جيدة، ولكنه قد يلقي بعض البذور ولو لإيقاف المطالبات.

Email