دلالات صعود نتانياهو مجدداً لقمة الليكود

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما كان متوقعاً، حصد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أغلب أصوات الناخبين في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود التي وقعت قبل أيام قليلة.

في انتصار كاسح على منافسه اللدود موشيه فيغلين. وعلى الرغم من أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 50% من القواعد التنظيمية لمنتسبي الحزب، فقد فاز نتانياهو بفارق كبير على منافسه فيغلين. ففي حين حصد نتانياهو نسبة 74% من أصوات الناخبين، حصل فيغلين على 24%, وبقية الأصوات كانت غير مؤهلة خلال عمليات الفرز، وتم إلغاؤها.

المعركة الانتخابية الداخلية بين نتانياهو وفيغلين، كانت حامية الوطيس، وجرى التحضير لها قبل وقت طويل بين المتنافسين الاثنين، وقد استثمرت فيها كل أسلحة التحريض والتحريض المقابل، للتأثير على مجرياتها ونتائجها المرجوة عند كل منهما. وبفوزه الكاسح، سيكون نتانياهو هو مرشح الليكود مرة ثانية لرئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، بعيد انتخابات الكنيست التاسعة عشرة المتوقعة خلال أقل من عام.

لقد فاز نتانياهو على ممثل اليمين الاستيطاني التوراتي داخل الليكود (موشيه فيغلين)، الذي تلتف حوله مجموعات الغوغائيين من قواعد الحزب، خصوصاً في المستعمرات، الذين يعتبرون أن الليكود بقيادة نتانياهو لا ينتمي إلى تاريخ الليكود وبرنامجه الحزبي وجوهره، فقد أصبح الليكود من وجهة نظرهم مجمّع آراء. ب

ينما التفت حول نتانياهو المجموعات اليمينية من الكوادر المؤدلجة داخل حزب الليكود، وهي تمثل في الحقيقة زبدة اليمين العقائدي المتطرف داخل الليكود، الذي يضم الصفوة من معتنقي شعار زئيف جابوتنسكي "في قلبي بابان: الأول لشعبي والثاني للثقافة والأدب والقلم"، ومبدئه القائل "إن حقنا في أرض إسرائيل أبدي، وهي كاملة ولا تخلي عنها".

وفي التدقيق أيضاً، يتبين أن جزءاً كبيراً من معارضة موشيه فيغلين في معسكر الليكود، الذي يشتمل على العناصر الدينية فيه كذلك، ينبع من أنه يقيم تصوره العام كله، ومنه التصور السياسي، على مبدأ ديني، في حين تؤيد الصهيونية المتدينة التقليدية التأليف بين عناصر صهيونية ـ قومية ـ تاريخية وعناصر دينية.

نتائج انتخابات مركز حزب الليكود، أكدت أن فعالية الحياة السياسية في الحزب محسومة ولا يوجد منافسون حقيقيون لنتانياهو على رئاسة الحزب. كما أكدت أن نتانياهو يتمتع بوضع مستقر وجيد داخل حزب الليكود، وأن زعامته للحزب لم تهتز، رغم الحراكات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي اعتملت داخل إسرائيل، بل ويضيف المراقبون أن نتانياهو في أحسن أوضاعه داخلياً وخارجياً، وقد استغل ذلك لتجديد انتخابه لفترة قادمة، علماً أن حكومته تتمتع بثبات في أركانها يؤهلها لإنهاء فترتها القانونية، وهو أمر نادر الحصول في إسرائيل في السنوات الأخيرة.

وما يزيد من قوة ومتانة وضع نتانياهو، أن هناك تآكلاً مستمراً، ليس فقط في حظوظ وحضور المشاكسين عليه من داخل حزبه، وإنما من حلفائه في التحالف الوزاري، وفي المعارضة الإسرائيلية المتمثلة بشكل رئيسي بحزب كاديما، الذي يتعرض لهزات داخلية بين ثلاث كتل متصارعة: كتلة تقودها زعيمة كاديما تسيبي ليفني، وكتلة يقودها الجنرال شاؤول موفاز، وكتلة يقودها الإعلامي يائير ليبيد، ناهيك عن الانشقاقات التي أنهكت حزب العمل، والتي كان آخرها انشقاق مجموعة الجنرال إيهود باراك وتشكيله كتلة جديدة تحت مسمى "استقلال".

عودة نتانياهو وصعوده للمرة الثانية على رأس حزب الليكود، الذي يقود بدوره الائتلاف الحكومي في الدولة الصهيونية، ليس أمراً عادياً في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة عموماً وعملية التسوية بشكل خاص، بعد أن اصطدمت بالجدار المسدود نتيجة المواقف الإسرائيلية.

وتحديداً مواقف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بما فيها مواقفه الأخيرة التي عبر عنها مستشاره اسحق مولخو، في المفاوضات المسماة بـ"المفاوضات الاستكشافية" التي جرت في العاصمة الأردنية عمان مع الوفد الفلسطيني برئاسة صائب عريقات.

من جانبنا في الصف العربي والفلسطيني، فإن عودة نتانياهو لموقع القرار بقرار انتخابي من قاعدة حزب الليكود، يحمل معه دلالات خطيرة وقاطعة. وأولى تلك الدلالات أن الدولة العبرية وجمهور قطاعات واسعة منها، ما زالت تنحو أكثر فأكثر نحو مواقع ومواقف وسياسات اليمين واليمين المتطرف وقوى الاستيطان، التي لا تريد سلام الشرعية الدولية مع الفلسطينيين، بل تريد "السلام مقابل السلام"، مع نهب الأرض واستيطانها في القدس وحولها.

وفي مناطق الأغوار الفاصلة بين حدود الضفة الغربية من فلسطين والأردن. وأن لا تبديل في سياسات نتانياهو وانتهاكاته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، وأن حكومته تسعى لكامل فلسطين بوصفها "إسرائيل التوراتية"، وكامل القدس بوصفها عاصمة أبدية لأكذوبة "الشعب اليهودي" (اليهودية دين وليست قومية أو شعبا)، وأن إسرائيل ماضية في غطرستها وعنصريتها، وفي إشعال الحروب والصراعات في المنطقة.

انتخاب نتانياهو على رأس الليكود، ليس غيمة عابرة في سماء إسرائيل، بل غيمة سوداء تؤشر المرة تلو المرة بأن صفوف قوى اليمين هي الأكثر حظوة وحضوراً في الدولة العبرية، حيث تتغذى تلك الصفوف المتسعة من سوء الأداء العربي، بل من غياب الأداء العربي الفاعل إلى جانب الفلسطينيين في معركتهم التي باتوا يخوضونها شبه وحيدين مع الاحتلال. كما تتغذى من تلك السياسة الأمريكية التي تدغدغ المواقف الإسرائيلية، وتضغط على الفلسطينيين باستمرار. ومن سياسات اللجنة الرباعية الدولية، التي يتحشرج صوتها أمام غول التهويد والاستيطان الزاحف فوق عموم الأرض المحتلة عام 1967، في الضفة الغربية والقدس.

إن إعادة انتخاب هذا الرمز اليميني المحسوب على غلاة الصهاينة في إسرائيل، على رأس حزب يميني يقود ائتلاف الدولة العبرية، يؤكد بلا مواربة، أن الرهان الإيجابي على مستقبل التسوية مع إسرائيل، مجرد أضغاث أوهام أو أحلام (لا فرق).

 

 

Email