هل من ربيع لاتحاد المغرب العربي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سنة كاملة مرت على ثورات الربيع العربي. حدثان مهمان في كل من تونس وليبيا، وحدث أقل أهمية في المغرب، وهو زحف الإسلاميين على البرلمان وفوز مهم في الانتخابات البرلمانية. وهناك حراك سياسي نحو التغيير والقطيعة مع الفساد، في كل من الجزائر وموريتانيا.

ما يهمنا في كل هذه الأحداث على مستوى الدول الخمس في المغرب العربي، هو هل من انعكاسات على الاتحاد المغاربي؟ وهل ستستفيد دول المنطقة من هذه الأحداث لترى اتحاد الشعوب الذي يحقق التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي؟ هل سيساعد النظام الجديد في تونس وفي ليبيا، في إيجاد استراتيجية جديدة لبعث الاتحاد وإخراجه من حالة الاحتضار التي يعاني منها، إلى حالة من النشاط والحيوية والتعاون والتكامل بين دول الاتحاد؟

قبل أيام زار وزير الخارجية المغربي الجزائر، بهدف دراسة بعث العلاقة بين البلدين وموضوع فتح الحدود. أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد تضمان أكثر من 70 مليون نسمة؟ هل يعقل أن لا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟

 ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط، مروراً بالجزائر وليبيا وتونس، بين دول الاتحاد؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟

والقائمة قد تطول، وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية. المنطق يقول إن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة، تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار.

وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي، فإنها ومن دون أدنى شك ستعمل على التكامل بين الدول الخمس بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية، للنجاح والتكامل الاقتصادي.

بطبيعة الحال، كل شيء سيتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا، ونية السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا، في خدمة شعوبهم بدلًا من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن من أجل الاستمرار في السلطة.

فالاتحادات والتحالفات بين الدول، نجحت بفضل الديمقراطية وبفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية، في كل قطر على حدة، ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة. فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية في الحكم الرشيد والديمقراطية، والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة.

في فترة ما قبل الربيع العربي، كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس. أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا، فهناك حاجة ماسة إلى النظر للأمور والمعطيات بمنطق جديد، وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله.

نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة، في ما يتعلق بالمجتمع المدني والأحزاب السياسية والمعارضة، والنظام الإعلامي الحر والمسؤول والملتزم، والفصل بين السلطات والقضاء العادل ...الخ. لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة، لأن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية.

لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة، ووجه إنذاراً شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة عن شعوبها وعن الواقع، وما زالت تعاني فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع. فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية.

والتنافس الأوروبي الأميركي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك، من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم. أزمة القضية الصحراوية وتعقدها بالنسبة للمغرب.

وفي الجزائر، كانت وما زالت عبر ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن، الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد. وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال، بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع.

الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة، مادية وبشرية، غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية، والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع، والنظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي، وما يفعله هو التملق والتمجيد. فالفجوة، إذن، كبيرة جداً بين السلطة والجماهير. هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة على تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها؟

إن دول الاتحاد اليوم عاجزة على إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة، أو شبكة طرقات سيارة تربط دول المنطقة، ولا ربط كهربائياً تستفيد منه كل دول الاتحاد. ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماماً، والعمل المشترك بين دول الاتحاد غائب على مختلف المستويات، في السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والرياضة،.. الخ.

ومن دون تكامل اقتصادي وتبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة، لن يكتب النجاح للاتحاد المغاربي وسيبقى جسداً بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات، لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.

فالتغيير لا بد منه، ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير الفرد المغاربي، وإعطائه إمكانيات الخلق والإبداع كي يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.

لقد حان الوقت لتعي دول الاتحاد المغاربي أنها أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات السلطوية التعسفية البالية، أو المحافظة على الوضع الراهن، وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك، والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة.

فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب، وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع الدول المغاربية، بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر.

وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد، بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية، في إطار نظام مغاربي متكامل، يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى، واحترام الدول الأعضاء من دون مزايدة ولا مساومة. فشعوب المغرب العربي تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أنظمة قوية تستمد قوتها من شعوبها ومن العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد.

كما تحتاج إلى عمل مشترك قوي وفعال، يقوم على رؤى واستراتيجيات واضحة، وعلى الأفعال وليس الأقوال والشعارات الرنانة الفارغة. الوقت مناسب تماماً بعد هبوب رياح التغيير على المنطقة، وبعد انهيار نظامين فاسدين فيها، فهل ستستغل دول الاتحاد المغاربي الفرصة وتبدأ عهداً جديداً؛ عهد اتحاد الشعوب وليس الأنظمة والقادة، اتحاد الديمقراطية والشفافية ومحاربة الفساد واستغلال فرص التعاون والتكامل في المنطقة؟!

 

Email