إسرائيل وتطورات مصر الأخيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّلت تفاعلات الأحداث الأخيرة في مصر، والتي ما زالت فصولها وتفاعلاتها المتسارعة تتطور كل يوم، مع انتهاء المرحلة الأولى العملية الديمقراطية الانتخابية، صاعقة كبيرة على رؤوس أصحاب القرار في الدولة العبرية الصهيونية، وعلى كافة مستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية، وحتى على مستوى الشارع اليهودي داخل فلسطين المحتلة عام 1948.

فالمتابع لسير الموقف الإسرائيلي إزاء التحولات في الوضع المصري الداخلي، يلحظ بشكل صارخ مدى القلق وحالة الهلع التي بدأت تضرب أطنابها داخل مفاصل القرار الإسرائيلي، انطلاقاً من إدراك إسرائيل لمعنى ومغزى هذا التحول، على ضوء النتائج التي أفضت إليها الانتخابات البرلمانية المصرية، والتي جرت بسلاسة مقبولة جداً، رغم حالات الاضطراب التي ما زالت تسود بعض المناطق والمدن المصرية.

فإقبال الناس وبكثافة على التصويت في الانتخابات، رغم حالة الغليان العامة وتوتر الأحداث في قلب القاهرة والمدن الكبرى، يؤشر على تواصل حالة التغيير في مصر في اتجاه عودة أرض الكنانة إلى موقعها الطبيعي، الفاعل والمؤثر في المنطقة وفي رسم مسار الأحداث.

فكيف وصلت أصداء الوضع الأخير في مصر إلى إسرائيل؟ وأي قلق هذا الذي تعيشه الدولة العبرية الآن؟!

في البداية، يمكن القول إن التقديرات الفائقة لأجهزة "الاستخبارات الإسرائيلية"، راهنت على حدوث انتكاسات ووقوع حالات من الفوضى الواسعة في مسار التحولات الداخلية المصرية، بعيد رحيل الرئيس السابق حسني مبارك، مستندة لأمرين اثنين: أولهما الإرث الكبير والثقيل من المشاكل والمصاعب الاقتصادية وغيرها، التي أورثها نظام حسني مبارك للعهد الجديد المتمثل في المجلس العسكري الأعلى في مرحلة قيادته الانتقالية لمصر. وثانيهما اليد الأمريكية التي بدأت على الفور بالعبث بالوضع المصري الداخلي، معتقدة بإمكانية فرملة التحولات الجارية فيه، من خلال الضغط على المجلس العسكري الأعلى، وإعادة إنتاج النظام السابق بكامله عبر "إعادة تبديل الطرابيش"، وبما يمكن من الحفاظ على "معاهدة السلام" المصرية مع إسرائيل.

لكن المراهنات الإسرائيلية إياها انهارت الآن، مع انطلاق عملية الانتخابات التشريعية في مصر، وبروز القوى الفاعلة في الميدان الشعبي وعلى المسرح السياسي وتحت قبة البرلمان الجديد، بتلاوينها الإسلامية والقومية الناصرية والوطنية وغيرها، وهو ما دفع بالمتطرف الوزير الصهيوني وأحد قادة الليكود، بنيامين بن اليعيزر، للصراخ والعويل والقول بأن "صعود الإسلاميين والقوميين إلى البرلمان المصري الجديد، سيعرض الاستقرار الإقليمي للخطر"، وأن هذا الصعود "قد يجر إسرائيل إلى مواجهة مباشرة وحرب دامية في جبهتها الجنوبية مع مصر".

مضيفاً أن "الجيش المصري والمجلس العسكري الأعلى لم يعد يتحكم في ما يجرى، بينما صارت الجماهير المصرية تطرح إملاءاتها على الساحة السياسية" على حد زعمه، في حين اتجه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان للقول "إن الأحداث الأخيرة في مصر، تثبت للغرب أن إسرائيل هي الحليف الوحيد للغرب في الشرق الأوسط".

إن فحوى القلق الإسرائيلي من تطورات الوضع المصري عبر الانتخابات التشريعية، يتلخص بالخوف من احتمال انهيار التسوية مع مصر، مع العودة التدريجية لمصر الكنانة، إلى مسارها الحقيقي الحاضن والحامل للحالة العربية بأسرها، وإلى خطها الأبوي للأسرة العربية، وكحاضنة للحالة الوطنية والقومية العربية وعلى كل مستوياتها، وهو ما قد يستولد إعادة بناء الاصطفافات في المنطقة، وعودة الصراع إلى بداياته الأولى بين المشروع الوطني التحرري الفلسطيني والعربي، والمشروع الصهيوني.

وفي هذا السياق، فإن تفجير أنبوب الغاز المصري المتجه نحو فلسطين المحتلة، وللمرة الثامنة على التوالي، يحمل في طياته المعاني والمغازي الكبيرة، والتي تدل على مدى ما يحمله الشعب المصري من عمق الإحساس والشعور بانتمائه القومي العروبي الأصيل، وتوقه للإسهام أكثر فأكثر في إسناد الشعب الفلسطيني داخل فلسطين.

ويجدر القول هنا أن أكثر من نصف استهلاك الدولة العبرية الصهيونية من الغاز الطبيعي مصدره مصر، وأن محطات توليد الكهرباء في إسرائيل تعتمد بشكل شبه كلي على الغاز المصري، وأن إسرائيل ومصر ملتزمتان معاً باتفاقات لشراء الغاز المصري حتى العام 2030، وبموجب هذه الاتفاقات فإن "الشركة الإسرائيلية/ المصرية" والمعروفة بـ"إي أم جي"، تعمل على سحب الغاز المصري وفق الكمية المتفق عليها، وبالسعر الزهيد المعروف.

إن الوجه الآخر للهلع الإسرائيلي تجاه ما يحدث في مصر، يعود أيضاً إلى المخاوف الكبرى التي تنتاب إسرائيل حال انتقال الحالة المصرية من نظام الحزب الواحد والفرد الواحد، إلى نظام ديمقراطي تعددي يستند إلى صندوق الانتخابات قولاً وعملاً. فالتقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن الإخوان المسلمين يشكلون حزباً عريقاً، بعد أن بنوا أنفسهم على مدى ثمانين عاماً، وقد أصبحوا القوة الأكبر حضوراً وتأثيراً وفعلاً في الشارع المصري، كما الحال بالنسبة للأحزاب القومية الناصرية التي تحظى بحضور هام ومؤثر في الشارع، وهو ما عزز الفرص الكبيرة لفوزها في الانتخابات الأخيرة، لتصبح تلك القوى جهة مقررة في صناعة وإدارة دفة القرار المصري في المستقبل القادم.

إن إسرائيل التي لا يهمها على الإطلاق أن ترى حياة ديمقراطية في أي بلد عربي، تسعى بكل جهد لإدامة بقاء الأنظمة العربية ذات الطبيعة التسلطية، وهو ما عبر عنه رئيس "شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية" الأسبق الجنرال "أهارون زئيفي فركش" للإذاعة العبرية، بقوله: "إنني لا أفهم تصرف الولايات المتحدة ودول أوروبا ومطالبتهم بالديمقراطية في مصر". وأضاف القول إن "الحديث هذه المرة عن عنصر حيوي في خريطة الشرق الأوسط، ستؤثر ضعضعته تأثيراً مباشراً في خطط الإدارة الأمريكية للخروج هذا العام من العراق وأفغانستان".

Email