لم يمر الوقت الذي انشغل فيه المجتمع بقضايا البطالة وتشغيل الشباب، وذلك كرد فعل لمجريات وتداعيات الربيع العربي، من أجل امتصاص أي ردود فعل سالبة، ثم خفت حدة تصاعد هذا الفوران الشبابي، بتطييب خواطرهم، ودغدغة مشاعرهم، وهكذا انفض سامر الشباب وهم يحلمون بالوعود والأماني الطيبات، مع ذلك تبقى قضايا الشباب في حاجة ماسة للدراسة والتحليل، لإيجاد حلول لمشكلات فئة وشريحة تشكل نحو45% من السكان.
ولدوا مع وبعد عصر النهضة الشاملة، التي أرست دعائمها قيادتنا الراشدة، مع طلائع السبعينات، ومن ثم فإن جيل الثمانينات شب وترعرع في أحضان نعمة النهضة والوفرة والرخاء، وعندما تحكي لهم مكابدة الآباء ومعاناة الأجداد في عصور الفقر المدقع، الذين عاشوا في ظروف مأساوية، يبدو لهم الحديث وكأنه رواية أو مسلسل خرافي ومن نسج الخيال، وصدق من قال "لا يعرف الفقر إلا من يكابده، ولا الحرمان إلا من يعانيه".
إن جيل شبابنا ولدوا في ظروف حياة باذخة، توفرت فيها الكماليات أكثر بكثير من الضروريات، وهكذا تربى جيل كامل على حياة في منازل تعج بالخدم والحشم؛ شائقين وطباخين ومزارعين ومربيات وخادمات، وفدوا من كل شعاب الأرض، وفتحت لهم أبواب المساكن والمزارع على مصاريعها، ومع طول الإقامة والتواجد صاروا هم بحكم المعايشة شركاء وصناع قرار داخل البيوت، وفي مناخ تراجعت فيه أي أدوار للأسرة الممتدة.
فأصابنا وبال التشرذم والتميع الأسري، تغيرت لغتنا وتم تبديل مفرداتها، وبمرور أربعة عقود، ظهرت وانتشرت لغة هجين عرفها د. حيدر إبراهيم بلغة "الأردو ارب"، وهي لغة هجين وجدت طريقها للسان العربي، وصارت قاموساً مركباً، شاع في كل دول الخليج العربية، وتلك قضية شائكة لا يتسع لها حيز المقال.
أعود لأقول إن جهوداً لا بد أن تبذل من جهات عديدة، لإيلاء قضايا شبابنا الأهمية التي تستحقها، خصوصاً في عصر العولمة والفضاء المفتوح، وهبوب رياح التغيير التي قد تهدأ حيناً، وقد تنداح حيناً آخر، ومن ثم فلا بد من الحيطة والحذر، في وقت أصبح الشباب يحوزون على مفاصل كثير من الأشياء، ويملكون مفاتيح معارف أشياء نحن لا نعرف الطريق إليها، وتكفي هنا الإشارة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي صارت منصات وجسور عبور لتبادل المعلومات والأحاديث والصور، ومعارف لا تخطر على بال، وفي إطار هذه التحولات المهولة، لا بد أن نقرع ناقوس الخطر، ونقول بأعلى صوت؛ انتبهوا أيها السادة!
وفي معرض تناول قضايا الشباب، تحضرني مداولات ندوة نظمتها «جريدة البيان»، في أخريات شهر مايو عام 2009، كانت بعنوان "الشباب والتنمية الاجتماعية.. المسؤليات والتحديات"، تم فيها التداول حول العديد من المحاور ذات العلاقة، فضلاً عن الإجابة عن بعض التساؤلات المهمة وغير المجاب عنها، لعل من أهمها ضعف الهوية، والشعور بالانتماء إلى دولة الاتحاد الواحدة والمتحدة، والتشبع بالهوية الإماراتية، الإمارات كوطن، وكيان ثقافي وحضاري، ومن ضمن ما أثير من قضايا الشباب، ما يمكن أن أطلق عليه "الفجوة النوعية"، وأعني بها الزيادة الملحوظة في أعداد الفتيات عن أعداد خريجي الجامعات من الشباب الذكور، بسبب تسرب الأولاد من مقاعد الدراسة الثانوية أو الجامعية، وهي ظاهرة ملموسة للعيان، وسيكون لها تأثيرها المجتمعي على نحو أو آخر.
لقد أثيرت قضية عزوف الشباب عن القراءة الجادة، وعدم ارتياد المكتبات العامة، الأمر الذي ضعفت معه قدرة الشباب على الكتابة والتعبير بلغة عربية سليمة، وتكفي الإشارة إلى البرنامج التلفزيوني الذي استضاف مجموعة من شباب الجامعات، وعند سؤالهم تعذرت عليهم الإجابة بالفصحى وآثروا الإجابة بالعامية، والمؤسف أنهم لم يعرفوا أسماء الوزراء، ولا شكل وموقع ألوان علم الدولة، فكان موقفاً محرجاً! إن عزوف الشباب عن القراءة يثير الانتباه، شأنه شأن عزوفهم عن الزواج، وهي من القضايا الشائكة أيضاً.
لقد كان من توصيات تلك الندوة التي نظمتها وحدة الدراسات في «جريدة البيان» على ما أذكر، ضرورة إنشاء هيئة للشباب تطرح نفسها برؤية معاصرة، ومن منطلق علمي يشرف عليها أساتذة وخبراء مواطنون، ذوو كفاءة وخبرة، من خريجي كليات الدراسات الاجتماعية، وعلم النفس، والخدمة الاجتماعية والتربية، يناط بهم رسم خارطة طريق جديدة، يسير عليها شبابنا الموجودون داخل الوطن والدارسون في الخارج. أسوق هذا الحوار استشعاراً مني للمسؤولية، وللمخاطر التي يمكن أن يضار منها الوطن، إذا أغفلنا الانتباه لفئة الشباب، وذلك لسبب جوهري، وهو أن الشباب يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل.