مرحلة جديدة في الكويت

ت + ت - الحجم الطبيعي

قَبِل سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ـ حفظه الله - استقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد، بعد صراع مرير مع مجلس الأمة الكويتي. وهذه لم تكن الاستقالة الأولى، ولكنها ستكون الأخيرة للشيخ ناصر المحمد، الذي تكاثر حوله النقاد والذي صعد "منبر الاستجواب" ليمثل "سابقة تاريخية" في العمل البرلماني الكويتي.

وتتجه الأنظار حالياً للشيخ جابر المبارك الصباح ليتقلد رئاسة الوزراء (كما تطرح الصحف الكويتية)، على أن يحل مجلس الأمة حلاً دستورياً، وتعاد الانتخابات بعد ستين يوماً من الحل، كما ينص الدستور. ونحمد الله أن الحل "غير الدستوري" أصبح من الماضي، ولم تعد القيادة السياسية ترى فيه نفعاً.

والحق، أن الكويت قد جربت الحل غير الدستوري مرتين، وكان حصادهما في المرتين مراً ومؤلماً. أما الحل الأول فقد جاء في أغسطس من العام 1976. ومن المعلوم أن الأوضاع العربية آنئذ لم تكن تشجع استمرار تجربة ديمقراطية في بلد صغير بحجم الكويت، خاصة أن التجربة الديمقراطية العربية الأخرى (لبنان) كانت تعيش أحلك مراحلها، وهي الحرب الأهلية التي كانت قد اندلعت نحو عام سبق من ذلك.

في حين أن حصاد تجربة الحل الثانية كانت أشد مرارة، والذي جاء بعد عشرة أعوام، أي في العام 1986، إذ أدى ذلك إلى تكوين جبهة عريضة مطالبة بالعودة إلى العمل بالدستور.

وهذه الجبهة التي قادها بعض نواب المجلس المنحل، تمخضت عنها "تجمعات الاثنين"، أي تلك التجمعات الحاشدة التي اتخذت من "الديوانيات" مكاناً لها، والتي ابتدأت في ديسمبر من العام 1989 إلى فبراير من العام 1990. وقد انقسم الشارع الكويتي في تلك المرحلة بشكل لم يسبق له مثيل، ولم يوحده إلا دخول قوات صدام حسين الغازية في الثاني من أغسطس.

ولذلك، لم يكن غريباً أن يتوجه "أبناء الأسرة"، ونعني بهم "الأسرة الحاكمة"، إلى سمو الأمير باقتراحهم حول حل الأزمة، المبني على "التمسك بالدستور والديمقراطية"، كما نقلت جريدة "الجريدة" الكويتية في عدد الأربعاء 30/11.

وثمة حل آخر مطروح، وهو تكليف الشيخ جابر المبارك بتشكيل وزارة جديدة، مع بقاء المجلس الحالي والاستمرار في عمله إلى الانتهاء من مدته، علماً بأنه لم يبق عليه إلا سنة واحدة. غير أن الكثيرين في الشارع الكويتي باتوا يفقدون الثقة في هذا المجلس، خاصة وأن عدداً غير قليل من أعضائه تحوم حولهم شبهات استلام رشى، وملفاتهم هي الآن أمام النيابة للتحقيق فيها! ومن الطريف أن هؤلاء أصبحوا يكنون شعبياً بـ"القبيضة"، على وزن "الشبيحة" السورية!

ولو تم حل المجلس ودعي إلى انتخابات جديدة ـ وهو الخيار الأقوى بالنظر لما قلناه سابقاً حول الشك في أهلية بعض النواب الحاليين - فإن المجلس القادم سيكون مجلساً قوياً، ربما أقوى من المجلس الحالي، وذلك لحجم الفساد والخروقات المالية والقانونية التي تعاني منها الإدارة الحكومية، والتي تكون صيداً سهلاً من النواب المتربصين بأعمالها وممارساتها.

ويقودنا مجلس قوي قادم، إلى واحدة من أمهات المشاكل التي غدونا نعاني منها في الكويت في السنوات السابقة، وهي ضعف الحكومة وتواضع أدائها وقلة كفاءتها، مما يفتح الباب واسعاً للتبرم منها ومعارضتها من شرائح واسعة من الشعب الكويتي. إذن، ما تحتاجه الكويت في هذه المرحلة ـ وربما في كل مرحلة ـ هو حكومة قوية، تواكب طموحات الشعب الكويتي في التنمية والتقدم، وهي طموحات تعكسها نتائج الانتخابات الواحدة تلو الأخرى منذ مدة طويلة.

وفي هذا الصدد يطرح البعض "الحكومة الشعبية"، حيث تشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة، وتلتزم أمام ناخبيها وعموم الشعب الكويتي بتطبيق برنامجها الذي طرحته أثناء الحملة الانتخابية. ويشير هؤلاء إلى أن هذا النظام معمول به في دولة مشابهة للكويت من حيث تركيبتها السياسية.

وهي الأردن، حيث يوكل الملك أمر تشكيل الوزارة لشخصية من أفراد الشعب، تمثل الكتلة الفائزة. وبالطبع، فإن هذا الخيار يتم الجدل والنقاش حوله على صفحات الجرائد وفي الدواوين، وينقسم فيه الرأي العام الكويتي بين مؤيد ومعارض.

يبقى أن نقول إن الكويت قد تعبت من تعاقب التشكيلات الحكومية، ومن توالي إجراء الانتخابات في غير مواعيدها المحددة، وبات الجميع يشعر أنها بحاجة إلى فترة من الهدوء والاستقرار، تعمل فيها "حكومتها القوية" على تنفيذ خطتها التنموية التي طال انتظارها.

ويعمل فيها مجلسها المنتخب على مراقبة أداء تلك الحكومة وإدخال التشريعات المطلوبة، أو إلغاء غير المناسب منها أو تعديلها. إنها بحاجة، وباختصار شديد، إلى تعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية لتسير عجلة البلاد إلى الأمام، بعد أن غاصت في رمال الخلافات السياسية العقيمة.

ثم ليشعر المواطن الكويتي أن ديمقراطيته التي ارتضاها قبل نصف قرن، قد لبت طموحاته وهي تسير به قدماً إلى دروب التقدم والتطور.

 

Email