عن علاقات حماس والأوروبيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف أن الموقف الأوروبي لم يكن موحداً خلال السنوات الخمس الأخيرة، إزاء العلاقة مع حركة حماس، ولم يكن في أي وقت متوافقاً على كيفية إدارة الاتصالات أو بناء العلاقة معها، فبقيت هذه المسألة مثار جدل بين الأوروبيين، ما دفع البعض منهم لفتح قنوات اتصالات خلفية مع حركة حماس، حيث يشير العديد من المصادر إلى لقاءات واتصالات جرت في أكثر من عاصمة، بين شخصيات قيادية من حركة حماس وشخصيات رسمية وعلى مستويات معينة من بعض الدول الأوروبية، وجاءت جميع تلك اللقاءات بمبادرات من الأطراف الأوروبية منفردة.

وقد زاد منسوب تلك الاتصالات بعيد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت أوائل العام 2006، ليكسر قرار دول الاتحاد الأوروبي (القديم) بمقاطعة حماس، وهو قرار اتخذ منتصف أغسطس 2003 حين أدرج المكتب السياسي للحركة ضمن لائحة "الإرهاب"، ولم يكن في حينها قراراً أوروبياً خالصاً، بقدر ما اتخذ تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية.

وبالطبع، فإن الانفتاح الأوروبي المحدود ومن خلف الكواليس، الذي تم مع حركة حماس بعيد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، لم يكن حباً من الغربيين لسواد عيون قادة حركة حماس وكوادرها، بل تم على ضوء التمدد الشعبي الذي حققته الحركة وفوزها المؤثر في الانتخابات التشريعية سنتذاك، يوم حصدت أكثر من ثلثي المجلس بواقع 74 نائباً.

فالتجربة التاريخية تدل على أن الأوروبيين براغماتيون إلى أقصى حد، وعلى طول الخط، وليست لديهم ثوابت دائمة، وهم على استعداد دائم لالتقاط المتغيرات والبناء عليها. ولذلك لا عجب إذا لاحظنا خلال السنوات الأخيرة، تكثيف الزيارات واللقاءات العلنية والسرية، التي يقوم بها القناصل والمسؤولون الغربيون القادمون من القدس وتل أبيب، للمؤسسات المقربة من حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والالتقاء بعدد من القيادات الحمساوية في الدوحة وبيروت ودمشق وغيرها من العواصم.

وقد صدر تقرير فعلي قبل عامين تقريباً، للجنة برلمانية بريطانية مشتركة بين كل الأحزاب، يؤكد ضرورة إنهاء مقاطعة حركة "حماس"، باعتبار المقاطعة سياسة أثبتت فشلها، وتبع ذلك التقرير اللقاء المطول الأخير منتصف مارس 2008، بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دمشق ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل. وصدر بعد ذلك تقرير أخير عن "مجموعة الأزمات الدولية"، بتاريخ 19/3/2008، يقر بأن سياسة إسرائيل القائمة على "عزل حركة حماس وفرض العقوبات على غزة، قد أفلست وأعطت عكس نتائجها المرجوة"، موضحاً أنّ "الحركة الإسلامية تتجه نحو إقامة إطار فاعل للقوة".

وتلت التقرير إياه مبادرة لـ"مجلس الشيوخ"، وهو هيئة دولية تتشكل من زعماء ودبلوماسيين قدامى في العالم، حيث توجه المجلس لإسرائيل باقتراح قدمه أربعة من أعضائه الكبار، هم: الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الأسقف ديزموند توتو، ورئيسة إيرلندا السابقة ماري روبنسون، وذلك "لحث إسرائيل على وقف إطلاق نار مع حماس، عبر حوار إسرائيلي مباشر معها، والاعتراف بدورها وسط الفلسطينيين، والكف عن منطق العزل".

وأتت جولة الرئيس الأسبق جيمي كارتر هذه الأيام، وما دار بشأنها من جدال حاد ونقاش ساخن في الأوساط الإسرائيلية والحمساوية تحديداً، لتثير من جديد قناعات بدأت تتعزز لدى الكثيرين، مفادها أن إدراك الغرب الرسمي - والإدراك الأميركي "غير الرسمي" - لخطأ تقديراتهم المتعلقة بحركة حماس، يسجل نقطة لصالحها على حساب القوة الأكبر في هذا العالم، التي تعج بمراكز الأبحاث والدوائر الاستشارية لصانعي القرار.

وكان من بين تلك اللقاءات والاتصالات العلنية، لقاءات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أكثر من مرة، وبرفقته بعض الأوروبيين من الشخصيات السياسية السابقة والفاعلة في الميدان العام في دول الغرب الأوروبي.

وبغض النظر عما دار من مناقشات مطولة بين قادة حركة حماس والرئيس كارتر ومستشاريه، ومن سبقه ومن سيلحقه من المسؤولين الغربيين، سراً وعلناً، فإن هناك العديد من الحوافز والدوافع التي تجعل الغرب الآن، بعد إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، يسعى نحو توسيع دائرة تلك الحوارات والاتصالات مع حركة حماس والمقربين منها في فلسطين والشتات.

فلقاءات كارتر عبرت عن تحول بدأ يشق طريقه، ولو خافتاً وخجولاً، داخل الولايات المتحدة، بشأن ضرورة التعاطي مع حركة حماس، والكف عن محاولات إقصائها وعزلها. وانطلاقاً من المعطى إياه، لم يكن أحد من المراقبين ليستبعد قدوم اللحظة التي سنرى فيها اشتعال الحوار بين حركة حماس وواشنطن مباشرة، ودون قنوات سرية في هذه العاصمة أو تلك، فلقاءات كارتر تمثل خطوة الألف ميل في هذا الاتجاه، رغم أن الرئيس كارتر خارج إطار المؤسسة الرسمية.

أكثر من ذلك، يشير بعض المعطيات المتوافرة، إلى أن هناك توجهاً غربياً لإجراء مراجعة شاملة لسياسات الغرب تجاه الأحزاب والحركات الإسلامية عموماً، ذات التوجهات "المعتدلة" في المنطقة العربية، انطلاقاً من إدراكه لقوتها وتأثيرها في الرأي العام داخل مجتمعاتها، ومنها حركة حماس.

وفي هذا السياق، أظهر استطلاع تم نشر نتائجه مؤخراً، وقد أجرته مؤسسة "أي أس أم" للاستطلاعات لصالح ثلاثة مراكز بحثية في لندن وإكستر والدوحة، تزايداً في الوعي الأوروبي بمجريات الأحداث في المنطقة العربية، خاصة فلسطين، مقارنة مع استطلاع أجرته جامعة غلاسكو عام 2004. كما أظهر الاستطلاع الأخير أن هناك نوعاً من التحول النسبي في مواقف الأوروبيين تجاه إشكالية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث دعت نسبة 45% من المستطلعين، إلى إشراك حركة حماس في المفاوضات، وقد حددوا إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة.

وتتفق آراء الاستطلاع في هذا مع استطلاع بين اليهود البريطانيين أجراه المعهد اليهودي للسياسات، ووجد أن نسبة 52% من المشاركين تؤيد المفاوضات مع حركة حماس، من أجل تحقيق التسوية.

أخيراً، إن اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقع في القاهرة في مايو الماضي، فتح الأبواب على مصراعيها لتوحيد الأداء والفعل السياسي الفلسطيني، على كل مستوياته، حال توافر الإرادة الحاسمة لدى فتح وحماس، كما فتح الأبواب أمام إزاحة التحفظات الدولية، خصوصاً الغربية منها تجاه بعض القوى الفلسطينية، ومنها حركة حماس التي تمثل جزءاً أساسيا من النسيج الوطني الفلسطيني، كما قال الرئيس محمود عباس.

Email