ما بعد استحقاق أيلول

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعطى الحراك السياسي الأخير الذي دار في أروقة الأمم المتحدة وكواليسها، خلال الدورة السادسة والستين للجمعية العامة، صدى إيجابياً على كل الصعد، في تعزيز حضور القضية الفلسطينية داخل أروقة المجتمع الدولي، وفي تحقيق نقلات مؤثرة في المسار السياسي المعقّد، الذي تعبر من خلاله قضية فلسطين في هذه المرحلة بالذات.

وفي هذا المشهد، وبكل تفاصيله وحيثياته، فقد بدا الموقف الأممي ومواقف عموم شعوب العالم بأسره، متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومسانداً للحراكات الدولية المؤيدة له، التي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية. ولم يكن هذا التعاطف ليأتي من الهواء أو من الفراغ، بل جاء على أرضية التضحيات الهائلة والصمود الكبير الذي حققه الشعب الفلسطيني على الأرض، في الداخل والشتات، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، والواقع تحت نيران العدوان الصهيوني كل يوم.

أما الجديد في هذا المجال، فيتمثل في المرحلة التالية بعد ما بات يسمى "استحقاق أيلول"، وهي المرحلة الأهم التي تنتظر إما مراوحة في المكان والعودة لأوهام المفاوضات وحدها دون غيرها، أو مواقف فلسطينية جديدة على كل المستويات، من أجل رسم الاستراتيجية السياسية والكفاحية المنشودة التي طالما نادت بها غالبية القوى والفصائل الفلسطينية، التي لم تكن مواقفها لتقف عند حدود تقديم الطلب الفلسطيني للأمم المتحدة من أجل تحسين مسار المفوضات، بقدر ما كانت تنظر للأمور من بوابة إعادة تقييم كل المرحلة السابقة، وفتح قوس الخيارات الفلسطينية ومغادرة المربع التفاوضي الوحيد، نحو تعدد الخيارات في ظل الأفق المسدود الذي وصلت إليه عملية "التسوية"، وفي وضع بات من المؤكد أنه لا يمكن أن يظل قائماً إلى ما لا نهاية.

إلى ذلك، فإن الجهد الأميركي قبل وبعد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان وما زال يتمحور حول السعي لإعادة إحياء العملية التفاوضية المتوقفة منذ أكثر من عامين، بين الطرفين الرسمي الفلسطيني والإسرائيلي. وقد شكّل هذا السعي العنوان الرئيسي للموقف الأميركي الرافض لما جرى في الأمم المتحدة، مع تقديم فلسطين طلباً للعضوية في المنظمة الدولية، حيث ترى واشنطن أن طريق المفاوضات وحده لا غيره، هو الذي يقود إلى الأمم المتحدة بحثاً عن عضوية دولة فلسطين. وهذا موقف متناغم بالكامل مع الموقف الإســرائيلي.

وقــد تواءم الموقف الأوروبي الغربي مع الموقف الأميركي المشار إليه، وزاد من ذلك تأرجح مواقف اللجنة الرباعية الدولية (مع تحفظ روسيا)، التي أصدرت بالفعل بياناً عقب خطــاب عباس في الأمم المتحدة بساعات، دعت فيه إلى استئناف المفاوضات خلال شهر، وما زالت إلى الآن تدفع في هذا الاتجاه. وقد خرجت اللجنة مؤخراً بصيغة جديدة لإطلاق المفاوضات بين الطرفين المتفاوضين؛ فريق السلطة الفلسطينية والطرف الإسرائيلي، عبر صيغة مفاوضــات غير مباشــرة.

وقــد أوضح مندوب المنظمة في الأمم المتحدة رياض منصور، شيئاً من هذا القبيل عندما تحدث عن أن "الملف الفلسطيني لطلب العضوية في الأمم المتحدة، يجري تسييسه لجهة المراهنة الأميركية على اللجنة الرباعية الدولية، من أجل جلب الطرفين للمفاوضات المباشرة أو حتى غير المباشرة، دون مس بمسائل الاستيطان ومطلب وقفه".

إن المرحلة التاليــة من العمــل السياســي والدبلوماسي في الساحــة الفلسطينية، تفــترض مــن الفلسطينيين تحقــيق المصالحــة وتطبيقها علــى الأرض، وتعــزيز العلاقــات السياســية مــع مختلف الأطــراف العربية والإسلامية والدولية الصديقة، وتحشيدها خلف المطالب الفلسطينية العادلة.

فالدعم والإسناد العربي يفترض أن يشكل العنصر الأبــرز في إنجــاح الخــيارات والبدائل الوطــنية الفلسطينية المطلوبة، في سياق السعي الوطني الفلسطيني لترجمة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، إلى حقيقة راسخة على الأرض بقيام الدولة الفلسطينية قولاً وعملاً.

وفي هذا المجال فإن كل المصاعب تزول، رغم أن ظروف استحضار الدور العربي المطلوب ما زالت صعبة وغير مهيأة، لعدة أسباب في وقت واحد، يقف على رأسها الوضع العام السائد في الحالة العربية، من حيث التفكك وغياب الموقف العربي الموحد، الذي يفترض أن يستند لرؤية واستراتيجية عربية موحدة بشأن العملية السياسية في المنطقة.

إن مرحلة ما بعد "استحقاق أيلول"، تتطلب إنتاج البدائل الوطنية القائمة على أساس التوافق الوطني، والتي تشكّل ضرورة كبرى في إطار العمل المطلوب، من أجل تحشيد أوراق القوة الفلسطينية، ووقف بعثرتها، وبالتالي السير في اتجاه إنجاز كامل ملفات اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحل الاستعصاءات التي ما زالت تعترض طريق تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، ومنها مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، تعيد توحيد المؤسسات الفلسطينية بين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

Email