«استحقاق أيلول» والتباس الموقف الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مازال الموقف الأوروبي غائماً ومغمغماً، ويكتنفه الغموض بالنسبة للاقتراح الفلسطيني القاضي بالتوجه للأمم المتحدة وتقديم طلب الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967.

ومن الواضح بأن مرد الالتباس في الموقف الأوروبي يعود أساساً لتأثيرات الموقف الأميركي، حيث ترفض الولايات المتحدة التوجه الفلسطيني المذكور، منطلقة من أحقية العودة لطاولة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، باعتبارها الطريق الأمثل نحو الوصول إلى ما يسمى «حل الدولتين» الذي سبق وأن تبنته الإدارة الأميركية (لفظياً) منذ عهد الرئيس الأسبق وليام بيل كلينتون، مضيفة إليه احتمال تبادل للأراضي عبر التفاوض.

ومع أن العديد من الإشارات الإيجابية كانت قد أطلقت حتى الأيام الأخيرة وعلى لسان العديد من القادة الأوروبيين بشأن المقترح الفلسطيني المتوقع تقديمه للمنظمة الدولية وإمكانية تصويت الدول الأوروبية بالإيجاب عليه، إلا أن تلك التصريحات الإيجابية لا تلبث أن تتلاشى وتذوب على الفور مع الموقف العملي لمختلف دول أوروبا الغربية، وخصوصاً منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومعهما دول الاتحاد الأوروبي الأساسية.

وبالتالي فان الموقف الأوروبي العملي مازال غير واضح المعالم، بل وتذهب كل المؤشرات للقول بأن دول الاتحاد الأوروبي تفضل تريث الطرف الفلسطيني قبل تقديم طلبه للمنظمة الدولية بشأن ما بات يعرف اليوم بـ«استحقاق أيلول». لقد سبق وحذر الاتحاد الأوروبي من عواقب ما اسماه «مأزق أيلول» إذا استمر الجمود في عملية السلام.

معلناً أهمية تكثيف الجهود من أجل أن تتوصل اللجنة الرباعية الدولية إلى «صيغة مقبولة بالنسبة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي» لإعادة استئناف المفاوضات في الأسابيع، لا أن تقوم السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين للجمعية العمومية والمتوقع التئامها في العشرين من سبتمبر الجاري.

فدول الاتحاد الأوروبي تفضل اتخاذ خيار العمل على توفير الظروف لإعادة إطلاق مفاوضات «السلام الإسرائيلية الفلسطينية» المباشرة، ساعية إلى تجنب التصويت في الأمم المتحدة، وهو ما أكدته دول الاتحاد في آخر اجتماع عقدته اللجنة الرباعية الدولية (الكفارتيت) المعنية بشأن عملية التسوية في المنطقة، معتبرة بأن الفرصة ما زالت مفتوحة ومتاحة لإعادة إطلاق عملية التفاوض المباشرة، متناسية في الوقت نفسه موضوع الاستيطان، وقافزة عن مسألة حصار قطاع غزة.

في هذا السياق، فان سوء النزاهة تبدو واضحة في مواقف بعض الدول الأوروبية التي يرى عدد منها أن مفهوم الهوية اليهودية «لدولة إسرائيل» يفترض به أن يكون حاضراً على الطاولة وهو ذات الموقف الأميركي الذي باتت تستخدمه واشنطن في حملاتها السياسية على السلطة الفلسطينية وعموم الفلسطينيين بالطلب منهم الإقرار بما يسمى «يهودية إسرائيل» قبل أي خطوة قادمة.

وهو طلب يحمل في طياته مخاطر واسعة من أهمها إدارة الظهر لأكثر من ربع سكان «إسرائيل» من المواطنين العرب الفلسطينيين أبناء الوطن الأصليين الذين بقوا وصمدوا داخل فلسطين المحتلة بعد نكبة العام 1948.

وبالواقع العملي، إن الموقف الأوروبي بات يقصم الظهر بالنسبة للمشروع الفلسطيني بشأن «استحقاق أيلول»، حيث يمكن لدول غرب أوروبا تحديداً أن تسهم بشكل مؤثر بتعطيل الجهد الفلسطيني والعربي في المنظمة الدولية.

وأن تزيد من مفعول الفيتو الأميركي المتوقع في مجلس الأمن حال رفع الطلب من الجمعية العامة لمجلس الأمن بعد موافقة ثلثي دول العالم وهو أمر محقق على الأرجح بواقع موافقة (140) دولة من دول العالم من أصل (193) على الطلب الفلسطيني في الجمعية العامة في اجتماعها القادم للدورة السادسة والستين قبل نهاية الشهر الجاري.

ومما لا شك فيه بأن (الفيتو) الأميركي في مجلس الأمن قادر لوحده على تعطيل الطلب الفلسطيني، إلا أن الإسهام الأوروبي بدعم هذا (الفيتو) الأميركي، يكسبه المزيد من التعزيز الدولي والشرعية في المجتمع الأممي، في مواجهة الموقفين العربي والفلسطيني، ويعزز في الوقت نفسه من موقف دولة «إسرائيل» التي ترى بأن «استحقاق أيلول» معركة سياسية تستهدفها وتستهدف وجودها أساساً، وان الطرف الفلسطيني يهدف من وراءه لفتح معركة سياسية ودبلوماسية تستهدفها.

في هذا الوقت، وعلى النقيض من المواقف الأوروبية الرسمية المتوقعة، وبغض النظر عن بعض التصريحات الإيجابية لبعض القادة الأوروبيين، فان المناخ العام في الأوساط الأوروبية العامة والشعبية منها على وجه الخصوص، تشهد موقفاً جيداً بالنسبة للموقف الفلسطيني، فقد دلت المعطيات الأخيرة المنشورة بأن أغلبية كبيرة من المواطنين الأوروبيين تؤيد قيام الاتحاد الأوروبي بدعم المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة.

وبالتأكيد فان هذا المناخ العام في أوروبا ما كان ليأتي لولا الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل أنصار القضية الفلسطينية ومن قبل المؤسسات والهيئات والجمعيات العربية والإسلامية الناشطة في عموم دول القارة الأوروبية، والتي ساهمت بشكل كبير بتسيير أساطيل سفن الحرية باتجاه شواطئ قطاع غزة.

وفي إطلاق الصيحة العالمية للانتباه على ما يجري من حصار جائر وظالم للشعب الفلسطيني. وحسب النتائج الأخيرة المنشورة يوم الخامس من سبتمبر الجاري على موقع «يوروبرس» الذي استطلع آراء 452 مواطناً، فإن 75% من العينة أجابت بنعم على سؤال «وجوب دعم الاتحاد الأوروبي طلب فلسطين الحصول على اعتراف الأمم المتحدة» في حين عارض ذلك 22%، بينما قال 3% إنهم غير متأكدين من خياراتهم. ويذكر أن مركز «يوروبرس» وبالتنسيق مع مؤسسات إعلامية أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي، يتولى إصدار نشرة يومية بعشر لغات أوروبية وتضم أهم القضايا المنشورة في صحف رئيسية تصدر في دول الاتحاد.

Email