سوريا وحماس والحقائق الموضوعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأحداث الجارية في الداخل السوري، وإن كانت شأناً سورياً داخلياً لا علاقة للفلسطينيين به، إلا أن سوريا بذاتها تهم الفلسطينيين أكثر من غيرهم، من ناحية الدور والموقع الجيوسياسي في معادلة الصراع الجاري في المنطقة مع المشروع الصهيوني، ومن ناحية الوجود الفلسطيني في سوريا، حيث يقيم أكثر من 625 ألف فلسطيني، غالبيتهم من اللاجئين الذين دخلوا أراضي الجمهورية العربية السورية عام النكبة.

فبوصلة الاهتمام الفلسطيني بالشأن السوري، لا تعني إقحام وزج الفلسطينيين في تفاصيل التفاعلات السورية الداخلية، بل تشير إلى التقاطع الواسع والمشترك، الذي شكّل وما زال يشكّل إلى الآن مساحة واسعة من التقاطع في المصالح الوطنية والقومية المشتركة، المستندة إلى حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة والمنطق.

فالفلسطينيون في سوريا وخارج سوريا بشكل عام، منحازون للخط الوطني والقومي لسوريا العربية في صراعها مع المشروع الصهيوني، وفي احتضانها لفصائل العمل الفلسطيني، من حركة حماس إلى حركة فتح وما بينهما من ألوان سياسية وأيديولوجية فلسطينية.

كما هم منحازون لمطالب عامة الناس في سوريا بجوانبها المختلفة، ومع تفهمها وتأييدها، وهي المطالب التي أيدها النظام الرسمي في سوريا وتبناها بشكل كبير، ويفترض أنها باتت تشكل الآن هاجساً أمام دمشق لإنجازها.

لقد اعتقد البعض من السذج، الذين يفسرون الأمور بطريقة ميكانيكية، والبعيدون عن دواخل المعادلة الفلسطينية وعن منطق تفكير القيادة السورية، أن حركة حماس قد وقعت في حفرة عميقة جراء انطلاق الأحداث الجارية في سوريا، وهو ما يفضي حسب اعتقادهم إلى ولادة واقع جديد أمام حركة حماس في علاقاتها مع سوريا، وهو ما دفعهم أيضاً للتنظير والقول بأن "شهر العسل" الدمشقي مع حركة حماس، قد ولى وانتهى.. لكن أصحاب الرأي أعلاه، تجاهلوا أمرين اثنين:

أولهما؛ أن حركة حماس هي حركة فلسطينية ذات امتداد إخواني، وليست بالتالي حركة أو تنظيما سوريا، أو مسؤولة عن سياسات الإخوان المسلمين السوريين وتوجهاتهم المختلفة، وهو أمر تتفهمه الجهات المعنية في دمشق، وفق ما تشي به الوقائع حتى الآن.

وثانيهما؛ أن سوريا، وفي اللحظات العصيبة التي تعيشها الآن، بحاجة سياسية ومعنوية إلى حلفائها الذين قاسموها الموقف السياسي في السراء والضراء، وفي مقدمتهم فصائل العمل الوطني الفلسطيني من أقصاها إلى أقصاها، بما في ذلك حركة حماس، التي باتت تشكل جزءاً أساسياً من مكونات المعادلة السياسية للحالة الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع حركة فتح وباقي القوى الفلسطينية ذات الشأن والحضور، كحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

فالمصلحة الوطنية السورية، كما مصلحة النظام في سوريا، تفترض وجود علاقات إيجابية مع جميع ألوان الطيف الفلسطيني، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي على وجه الخصوص، اللتان تمثلان من وجهة نظر سوريا، "الإسلام المقاوم الحقيقي" في مواجهة العدو الإسرائيلي.

كما أن المناخ العام في سوريا على المستوى الشعبي، يساند وبقوة وجود فصائل العمل الفلسطيني في الساحة السورية، ولحركة حماس جمهورها المؤيد لها بين السوريين، وعليه من المستبعد بالنسبة للنظام الرسمي في سوريا، استفزاز الشعب السوري بإبعاد القوى الفلسطينية أو أي منها، وتحديداً في هذه الفترة بالذات.

لقد أثبتت وقائع شهر مضى من الأحداث الجارية في سوريا، أن جميع فصائل العمل الفلسطيني، اشتقت موقفاً متوازناً، ومنطقياً، وعقلانياً، ومقبولاً، بشأن الأحداث الجارية في سوريا، موقفاً استند لخبرات واسعة ومكتنزة من التجربة الفلسطينية ذاتها.

وهي تجارب مريرة دفع الفلسطينيون أثمانها الباهظة في أكثر من موقع ومكان، كان آخر فصولها ما دفعه بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين نكّل بهم شر تنكيل على أيدي الميليشيات الطائفية والزمر والمجموعات الحاقدة والموتورة، التي نشأت مع وجود الاحتلال وقوات الغزو الأنجلوسكسوني.

كما استند الموقف الفلسطيني المتخذ بشأن الحدث السوري، إلى تثمين الموقف القومي والسياسي لسوريا، والتقدير لموقفها التاريخي باحتضانها لجزء كبير من شعبنا، ومعاملته معاملة كريمة عبر مساواته بالمواطن السوري في كل الحقوق والواجبات، ومن هنا وقعت على بيان عام صدر في دمشق قبل أسبوعين، كل القوى الفلسطينية العاملة في الوسط الفلسطيني في سوريا، وعددها اثنا عشر فصيلاً:

حركة فتح، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية/ القيادة العامة، منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حزب الشعب الفلسطيني، حركة فتح/ الانتفاضة، الجبهة الديمقراطية، إضافة لرئاسة هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني.

وخلاصة القول، أننا نستطيع أن ندحض وأن ننفي في الوقت نفسه كل التنبؤات الإعلامية أو المعلومات المتسربة، التي تحدثت عن احتمال وقوع افتراق "حمساوي/ سوري" في المدى القريب، علماً بأن وجود حركة حماس في الساحة السورية، يقتصر على العمل الإعلامي والسياسي، وعلى وجود بعض المؤسسات التابعة لها.

فالحديث عن افتراق «سوري/ حمساوي» أمر مبالغ فيه، ويأتي في إطار اللعبة الإعلامية الاستخدامية الجارية لأهداف سياسية من قبل أطراف مختلفة، في ظل الحراكات الجارية في سوريا، حيث يريد بعض الأطراف زج الفلسطينيين في شأن ليس لهم به شأن. فالقوى الفلسطينية في سوريا معنية بأهدافها الفلسطينية، وليست معنية بالقضايا الداخلية للشعب السوري الشقيق.

Email