هل ستحرر الثورات الشعبية الإعلام العربي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يتساءل المواطن العربي عن واقع حرية الصحافة في الممارسة الإعلامية العربية، في زمن المجتمع الرقمي والانترنت والشبكات الاجتماعية، وغير ذلك من تقنيات ووسائل جعلت الفرد في المجتمع يتفاعل مع الخبر ويشارك في صناعته. فما هو واقع حرية الصحافة في زمن الثورات الشعبية؟ وهل سيفرز الربيع العربي ربيعا إعلاميا وعهدا جديدا للإعلام؟

هل حرية الصحافة بحاجة إلى قوانين وتشريعات؟ أم أنها بحاجة إلى أكثر من ذلك بكثير، إلى سلطة تتقبل النقد والنقد الذاتي، وتؤمن بأن الوسيلة الإعلامية هي بالدرجة الأولى في خدمة الحقيقة وفي خدمة الرأي العام والمصلحة العامة، وليست حكرا على السلطة وحدها. نتساءل كذلك عن حاجة حرية الصحافة لمجتمع مدني قوي وفعال، وهل هذه الحرية بحاجة إلى ثقافة ووعي يترسخ أولا في ذهن القارئ والقائم بالاتصال والمسؤول عن المؤسسة الإعلامية. بعبارة أخرى؛ هل المجتمع بكل أطيافه ومكوناته جاهز لعهد جديد تُمارس فيه حرية الصحافة والرأي والرأي الآخر، بكل مسؤولية والتزام وحرفية، لتكريس مبدأ السوق الحرة للأفكار في المجتمع؟

 نتساءل عن هدف صاحب المؤسسة الإعلامية، هل هو الربح والكسب بغض النظر عن الرسالة وعن المضمون وعن القيم؟ وهل التكنولوجيا والوسائل والإمكانيات كافية لضمان حرية الصحافة؟ وهل القطاع الخاص في المجال الإعلامي العربي، باستطاعته تكريس حرية الصحافة وكسر الحواجز وإرساء قواعد المهنة الشريفة والمسؤولة والنزاهة، أم أنه جزء لا يتجزأ من النظام وأنه "ملكي أكثر من الملك"؟ تساؤلات عديدة تراود من يتأمل في هذه الإشكالية، التي ما زالت ترهق من يبحث في حل خيوطها. حرية الصحافة ما زالت مبتورة في العالم العربي، رغم الندوات والمؤتمرات والتصريحات، ورغم القوانين التي تتغنى بها السلطة وملحقاتها، ورغم ما حدث ويحدث من ثورات ومظاهرات وانتفاضات.

وهل نستطيع القول إن الإنترنت وعصر المعلوماتية والثورة الرقمية والفضائيات والشبكات الاجتماعية وغيرها، ستحرر الإعلام العربي من القيود والأغلال؟ وهل الثورات الشعبية الأخيرة التي أدت إلى سقوط بعض الأنظمة الفاسدة، ستقضي على الذهنيات والعراقيل والحواجز وآليات الرقابة والرقابة الذاتية، التي عششت في المجتمعات العربية منذ عقود من الزمن؟

إن معظم السلطات في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية، تنظر إلى وسائل الإعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي، بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. السلطة في الدول العربية ما زالت لم تنجح بعد في بناء نظام مؤسساتي مستقر، ولم تنجح في تحقيق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع. وكنتيجة لكل هذا فإنها فشلت كذلك في إقامة وبناء جهاز إعلامي فعال، يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. ولهذا نتجت النظرة الضيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة، تُستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام التنموي والفعال والأفقي، لا يتأتى إلا بالديمقراطية والأجهزة المؤسساتية التي تلعب بدورها دور المراقب والمعارض والمشارك في العملية السياسية وفي صناعة القرار.

ونظرا لهذه النظرة الضيقة ولتسلط الحكومات وأنانيتها، فلقد تميز الإعلام العربي، عموماً، بما يلي:

سيطرة الطابع الرسمي على الرسالة الإعلامية، حيث نلاحظ التغطيات المكثفة لكل ما هو حكومي وقطاع عام ورسمي.

سيطرة الأداء الإعلامي الروتيني، حيث تغطية نفس المناسبات ونفس القطاعات، وإهمال اهتمامات الجماهير وانشغالاتها.

أحادية الاتجاه من الأعلى إلى الأسفل، من السلطة إلى الجماهير، دون مشاركة المستقبِِل في العملية الإعلامية. والتدفق الأحادي يؤدي بطبيعة الحال إلى التكرار والروتين والأبوية، واعتماد وجهة نظر واحدة ورأي واحد، على حساب التعدد والتنوع في المجتمع.

ضعف الاحترافية والمهنية في معظم وسائل الإعلام العربية، خاصة المرئية منها، نتيجة للتركيز على الرسميات دون الارتقاء بالمهارات الفنية والإبداعية، نظرا للرقابة والسلطة وهاجس تنفيذ الأوامر دون مناقشة وإبداء الرأي.

الرقابة والحذف الذاتي، حيث إن التحكم الرسمي في وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى، أدى إلى نمو ما يسمى بالرقابة الذاتية عند الصحافي في الوطن العربي، مما قتل روح الإبداع والابتكار عند القائم بالاتصال، وأدى إلى ضعف الأداء وتبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع.

اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام، فالإعلام إذا فشل في إدماج الجماهير وتمثيلها لدى السلطة والدفاع عن مطالبها ومصالحها، فإنه يُهجر من قبل الجمهور ويفقد مصداقيته وتأثيره، ما يؤدي إلى هجرة وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والتوجه إلى الإعلام الخارجي، حيث إن المستهلك يتفاعل هنا مع طريقة مختلفة للطرح والتقديم والتحليل.

ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي، حيث التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى على كسب رضى السلطة، ثم تحقيق الربح أو ضمان المعونة الحكومية، بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. أضف إلى ذلك أن المشرفين على المؤسسات الإعلامية في الكثير من الدول العربية، لا يفقهون شيئا في الإدارة والتسيير أو لا يعلمون أبجدية العمل الإعلامي، ويكون القائم بالاتصال في هذه الحالة هو الضحية، والضحية الأكبر بطبيعة الحال هي الجماهير.

Email