موجات الاعتداء على مساجد الضفة الغربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكررت في الفترات الأخيرة موجات الاعتداءات التي يشنها المستوطنون الصهاينة على المساجد في عموم قرى الضفة الغربية، بتواطؤ مع جيش الاحتلال، ومحل تقدير وتشجيع من رؤساء وقادة مجموعات وكتل الاستيطان، ومرشديهم من الحاخامات وعصابات المتطرفين الذين يملكون السلاح تحت بصر وعلم قوات الاحتلال. وقبل أيام، أقدم المستعمرون الصهاينة، وبالقرب من المستعمرة المقامة على أراضي قريتي "المغير" و"قريوت" شمال شرقي محافظة رام الله في الضفة الغربية، على إضرام النيران في مسجد المغير الكبير فجراً، ما أدى إلى اشتعال جزء كبير من محتوياته وتشقق جدرانه، إضافة لطلي المواقع القريبة منه بشعارات كتبت باللغة العبرية، مفادها أن "هذا بداية الانتقام"، في عملية تمت بحماية قوات الاحتلال. لقد جاءت الجريمة الصهيونية الجديدة التي نفذتها مجموعات من قطعان المستوطنين الصهاينة، الذين أقدموا بعد عام تقريباً من إحراق مسجد بلدة اللبن الشرقية جنوب مدينة نابلس صباح الرابع من مايو 2010، لتعيد إلى الأذهان مسلسل التعديات وعمليات إرهاب الناس والمواطنين الفلسطينيين، والمس بالمقدسات التي تقوم بها وتنفذها عصابات المستوطنين.

حيث جاءت جريمة إحراق مسجد قرية المغير بعد حرق مسجد اللبن الشرقية، ومن قبله إحراق مسجد حسن الخضر الكبير في بلدة ياسوف قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية، حين استهدفته مجموعة من عصابات المستوطنين وقامت بإحراق أجزاء كبيرة منه، بعدما حطمت الباب الرئيسي للمسجد وسكبت مادة البنزين داخله، وقد التهمت النيران مكتبة المسجد الخاصة بالمصاحف بالكامل، وأجزاء من السجاد، قبل أن يهب أهالي القرية لإطفاء النار. وبالتأكيد فإن السلوك الأخير لعصابات المستوطنين الصهاينة، يبرز بشكل واضح طبيعة المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين، وخصوصاً مجتمع المستوطنين على أرض القدس والضفة الغربية، وميول غالبيته للاصطفاف مع سياسات اليمين الصهيوني العقائدي واليمين التوراتي المتشدد الغارق في رواية الميثولوجيا.

كما يبرز حقيقة التوجهات والسياسات التي ترسمها حكومة الائتلاف اليميني، التي يقودها بنيامين نتنياهو ومعه طيف واسع من غلاة المتطرفين الصهاينة، ومن أصحاب نظريات الترانسفير والتطهير العرقي، وعلى رأسهم اليهودي الروسي وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا". وبالتأكيد، وكما تشير الوقائع الملموسة، فإن إرهاب المستوطنين الصهاينة ليس بعيداً عن رعاية ومتابعة مصادر القرار العليا في الدولة العبرية الصهيونية، وليس بعيداً عن حماية جيش الاحتلال، خصوصاً وأن هناك ما يزيد على نصف مليون مستعمر منهم فوق الأرض المحتلة عام 1967، وفي أيديهم أكثر من نصف مليون قطعة سلاح آلية فردية.

إن الشواهد والدلائل كثيرة، التي تشير لقيام جيش الاحتلال بتوفير الحماية والغطاء لممارسات عصابات المستوطنين، ضد أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته في عموم فلسطين. ولنا أكثر من مثال حي على ذلك، منها ما يحدث في قلب مدينة الخليل على سبيل المثال، من خلال قيام أربعمئة مستوطن يقيمون داخل أحد أحياء المدينة، بتنكيد حياة واستقرار أكثر من مئتي ألف مواطن فلسطيني من سكان المدينة، وذلك تحت رعاية وحماية وإسناد جيش الاحتلال. وعليه، فإن سلوك عصابات المستوطنين، ليس بعيداً عن إسناد وتغطية سلطات الأمن ومصادر القرار في إسرائيل. فسلوك المستوطنين الفاشي والهمجي يتغذى من نسغ السياسات الإسرائيلية، التي تعلن كل يوم عن مشاريع وعطاءات وتوسعات استيطانية إجلائية جديدة، والتي ترى أن مدينة القدس الموحدة عاصمة أبدية للكيان الإسرائيلي الصهيوني، وأن أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية يجب أن يضم لإسرائيل في سياق أية تسوية مقبلة.

كما أن الاعتداء على المساجد يأتي ضمن سياسة مبرمجة تهدف إلى تأجيج الصراع، وتُظهر مدى الاستهتار بالقيم الدينية والإنسانية للآخرين، وهو ما يتطلب وقفة عالمية وإسلامية وعربية فاعلة، لوضع حد نهائي لتلك الممارسات وللتغطية التي تقدمها إسرائيل وجيشها لمجموعات المستوطنين، فالاحتلال يتحمل في نهاية الأمر عواقب تلك الممارسات والاستفزازات والتطاولات والاعتداءات الغاشمة، التي تمس القيم والأماكن الروحية للمسلمين، كما لإخوانهم المسيحيين في بعض مناطق مدينة القدس. في هذا السياق، لا بد من القول إن المخاطر اليومية التي تصيب الإنسان والأرض والمقدسات في فلسطين، يجب أن تواجه بسياسة عربية وإسلامية مغايرة للسياسات الرسمية العربية الراهنة، والمستندة لبيانات التنديد والشجب والاستنكار فقط، سياسة تضمن اتخاذ خطوات فعالة لكسر وشل يد الإرهاب الفاشي الصهيوني، وتفضي إلى اتخاذ خطوات عملية جادة، انتصاراً لله ولبيوت الله التي تُدنَّس وتُحرَق تحت سمع العالم وبصرة.

فالإدانات الخجولة الصادرة من بعض عواصمنا العربية أو على لسان الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، لم تعد تكفي، ولم تعد سوى ذر للرماد في العيون، ومحاولة لامتصاص الغضب، بينما الحقيقة تشير إلى أن ردود الفعل المتواضعة باتت تشجع عصابات المستوطنين على تماديهم اليومي في فلسطين، خصوصاً أن سلطات الاحتلال متواطئة مع المستوطنين إلى أبعد الحدود. والإدانات الأميركية والغربية اللفظية لممارسات المستوطنين والمتعلقة باستهداف المساجد، لا تعني شيئاً ما دامت الولايات المتحدة توفر الغطاء السياسي لممارسات الاحتلال، وتدعم بقاءه واستمراره فوق الأرض المحتلة عام 1967.

ومن هنا فإن المواقف العملية، باتت الآن مهمة عاجلة على جدول أعمال منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية وعموم الهيئات والمؤسسات العربية والدولية، لإعلاء الصوت والتحرك والتضامن مع الشعب الفلسطيني في الدفاع عن مقدساته الوطنية، ودفع المجتمع الدولي للتدخل من أجل توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ولمقدساته الإسلامية والمسيحية، وصولاً إلى استقلاله الوطني.

 

Email