إثارة الشغب ليست حقاً من حقوق الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل بضعة أيام، أحال إلي صديقي عضو الكونغرس الأميركي السابق بول فندلي، رسالة بالبريد الإلكتروني جعلت الدم يغلي في عروقي. الرسالة صادرة عن المحامي وكاتب العمود الخاص جون ويتبيك، الذي ينشر تعليقات وآراء سياسية عن طريق قائمته البريدية الإلكترونية، وتتضمّن تقريراً لمنظّمة هيومن رايتس ووتش يدين الإمارات العربية المتحدة، لأنها «وسّعت قمعها للمجتمع الأهلي».

يشتكي ويتبيك من أن هذا «القمع» لم يستقطب انتباهاً كافياً في وسائل الإعلام الدولية، ويقول إن «الربيع العربي» ولّد «شتاء عربياً» في الإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى.

لماذا تملّكني الغضب؟ بصراحة، لقد ضقت ذرعاً بالطريقة التي تُستهدَف بها الإمارات عن غير وجه حق منذ سنوات، على ألسنة نقّاد من الأجدى بهم أن يقلقوا على البؤساء الحقيقيين في البلدان الثرية في دول العالم الأوّل، حيث يقيم المشرّدون في مدن من الخيَم، ويعيش الفقراء على الإعانات الغذائية، وينام مدمنو المخدّرات في صناديق كرتونية تحت الجسور، وتُعامَل الأقلّيات العرقية كمواطنين من الدرجة الثانية.

ينبغي على ويتبيك وواضعي تقرير هيومن رايتس ووتش، أن يذرفوا دموع التماسيح هذه على دول تعمي بصائرها عن الاتجار بالبشر وعمالة الأطفال، وعلى أماكن تتفشّى فيها الأمية ويندر فيها التعليم.

البلد الذي يحرص على توفير المدارس والجامعات، والمستشفيات والعيادات، والبنى التحتية الحديثة، وفرص العمل والوظائف لشعبه في بيئة مستقرّة وآمنة، هو بلد يحترم حقوق الإنسان. ومواطنو الإمارات العربية المتحدة ينعمون بهذه الاحتياجات الأساسية، لا بل بما هو أكثر منها بكثير. يتمتّع أبناء وطننا بمستوى معيشي ونمط حياة يحسدهم العالم عليهما. تحفّز حكومتنا روح المبادرة، وتشجّع الموهبة، وتستخدم موارد البلاد الطبيعية بما يصبّ في مصلحة الخير العام.

تؤمّن الإمارات العربية المتحدة لشعبها عيشاً كريماً وحرّاً، ينسجم مع تراثنا الثقافي والديني. وتهتمّ بمواطنيها من المهد إلى اللحد، من خلال منحهم أراضي مجانية يشيّدون عليها منازلهم، وكذلك المنازل، وتوفير الخدمات الأساسية لهم بأسعار مدعومة، من دون أن يتحمّلوا عبء الضرائب. يتدفّق العمّال الأجانب إلى بلادنا، لأنهم يجدون فيها فرص عمل أكثر من تلك التي توفّرها لهم بلدانهم. أتحدّى أيّ إماراتي أو مغترب، أن يجد ظروف عيش أفضل في أي مكان آخر في العالم. وجل ما تطلبه حكوماتنا في المقابل، هو أن يتعامل الناس باحترام في ما بينهم ويتقيّدوا بالقوانين.

إنه لواقع مؤسف من وقائع الحياة، أن بعض الأشخاص لا يرضون أبداً مهما كانت أحوالهم جيّدة. فبدلاً من أن يكونوا ممتنّين على النعم التي يتمتّعون بها، ويشكروا الله لأنهم وُلِدوا في واحد من أفضل البلدان في العالم، يفعلون كل ما بوسعهم لإثارة القلاقل. لا تدّعي الإمارات العربية المتحدة أنها ديمقراطية على الطريقة الغربية؛ فهي تخضع لنظام حكم عريق توارثناه عبر الأجيال، يتيح في الوقت نفسه مشاركة المواطنين. وتعمل هذه المنظومة بسلاسة، ومن دون شوائب منذ رفرف علم البلاد الأول في الثاني من ديسمبر ‬1971، وضمِن الدستور حماية حقوق الإنسان والحرّيات.

لا شك في أن كلمة «حرّية» تحمل دلالات مختلفة بحسب الأشخاص. فمن يعتقدون أن الحرية تمنح صاحبها الحق في تعكير السلام، أو الإساءة إلى الآداب العامة، أو إهانة من يشاء، أو محاولة التحريض على المعارضة السياسية، ليست الإمارات المكان المناسب لهم. بلدنا صغير وهشّ أمام التأثيرات المؤذية من الخارج؛ يعتمد أمننا واقتصادنا على قيادة مستقلّة ترسي هيكليّة طويلة الأمد، وتتحلّى بالحذر واليقظة وتفرض خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها.

السبب الرئيسي لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، سيئ الذكر، هو احتجاز خمسة أشخاص بتهمة «التحريض على عدم الانقياد للقوانين، وعلى أفعال من شأنها تعريض أمن الدولة للخطر والمساس بالنظام العام والخروج على نظام الحكم، وإهانة رئيس الدولة ونائبه وولي عهد أبوظبي»، كما أورد النائب العام الإماراتي.

أصيب هؤلاء الناشطون المزعومون بعدوى الحماسة الثورية في تونس ومصر وليبيا واليمن وأماكن أخرى في المنطقة، حيث انتفض الناس العاجزون عن تأمين ثمن لقمة العيش الأخذ في الارتفاع وتكاليف تعليم أولادهم، أو الذين يبحثون يائسين عن فرصة عمل، ضد القمع والفساد. وكانت السلطات الإماراتية محقّة تماماً في وقف أولئك الأشخاص عند حدهم؛ فقد تصرّفوا كما الخراف التي تنقاد بسهولة، من دون أن يأخذوا وقفة تفكير ليُدركوا أن الإماراتيين ليسوا ضحيّة الفقر أو القمع أو الفساد، بل على العكس تماماً. إنهم للأسف مجرد مثيرين للقلاقل، ليس لديهم أيّ تأييد شعبي لمطالبهم، ولا يمثّلون الأكثرية بأي شكل من الأشكال أو طريقة من الطرق.

لا يجوز أن يسمح حكّامنا لحفنة من المتذمّرين بأن يُخلّوا بالوضع القائم، تحقيقاً لمآربهم الخاصّة. ولا يهمّ إن لم يُعجب هذا هيومن رايتس ووتش أو ويتبيك أو سواهما من المنظّمات أو الأشخاص. يجب أن نحترس من كل من يهدّد نمط حياتنا. هذا هو البلد الذي نحبّ، وكل من يريد العيش هنا عليه أن يتقيّد بقوانينه، وإلا فليبحث عن مكان آخر؛ مكان يسمح له بالوقوف على المنابر لتأجيج المشاعر العامّة والتذمّر بلا انقطاع، فيما هو قلق على تأمين وجبة طعامه التالية.

حمداً لله أن مؤسّس الإمارات العربية المتحدة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، اللذين اعتنيا بنا عناية الأهل بأبنائهم، ليسا موجودَين ليشهدا على هذا الجحود من جانب حفنة من الأشخاص المدلّلين والأنانيين. يقع على عاتق كل الإماراتيين الفخورين بانتمائهم، أن يحافظوا على إرث بلادهم ويفعلوا كل ما بوسعهم لدرء الأذى عن أرضنا الحبيبة.

Email