الثأر يُلطّخ صورة مصر بعد الثورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه مصر خطراً داهماً، إذ يُهدّد حكم الغوغاء بالقضاء على سمعتها واستقرارها واقتصادها.

 

لقد كان الثوّار الشباب المصريون موضع إعجاب في الداخل والخارج لأنّهم تصرّفوا بطريقة سلمية، ولذلك من المعيب جداً أن تُشوَّه جهودهم بسبب الثأر الذي يتجلبب بثوب العدالة.

 

أمام المصريين خياران؛ الأول هو إنشاء لجنة حقيقة ومصالحة كما حصل في جنوب إفريقيا، مما يُتيح لرموز النظام السابق الاعتراف بخطئهم وطلب العفو.

 

والخيار الثاني هو اعتماد مقاربة «قطع الرؤوس»، كما حصل في فرنسا وروسيا بعد الثورة. ويبدو للأسف أن المصريين يسلكون الطريق الثاني.

 

يوم الجمعة ‬8 إبريل، نزل مئات الآلاف إلى ميدان التحرير للمطالبة بتوقيف حسني مبارك ونجلَيه.

 

وفي اليوم التالي، استدعاهم النائب العام المصري عبد المجيد محمود للتحقيق معهم، بعدما وجّه مبارك كلمة تحدٍّ عبر قناة «العربية»، دحض فيها اتّهامات الفساد الموجَّهة إليه وعرض الكشف عن حساباته المصرفية.

 

يوم الثلاثاء، أُدخِل مبارك الخائر القوى الذي يبلغ من العمر ‬82 عاماً، المستشفى بعد تعرّضه لنوبة قلبية خلال استجوابه.

 

وقد تجمّع الآلاف للمطالبة بإعدامه. ثم يوم الأربعاء، سُجِن نجلاه، جمال وعلاء، في زنزانة في سجن طرة الشهير فيما كانت زوجته سوازن تخضع للاستجواب.

 

وتقبع شخصيات من النظام السابق خلف القضبان أيضاً في سجن طرة، بينهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية سابقاً زكريا عزمي، ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور، ورئيس مجلس الوزراء السابق أحمد نظيف،.

 

ورجل الأعمال أحمد المغربي، وقطب صناعة الفولاذ أحمد عز. وقد تحوّل مثولهم أمام المحكمة مهزلة معيبة،.

 

حيث راح المندسون في الحركة الشبابية يخاطبون القاضي ويصرخون «ستموتون، أيها الكلاب». أجده أمراً مقيتاً جداً أن يطالبوا بالدم والثأر، وإثارة الفوضى. لا عجب في أن القاضي خرج من قاعة المحكمة.

 

من الأجدى بمطلقي الاتّهامات الذين يتفوّهون بكلام بذيء، أن يتأمّلوا جيداً في القرآن الكريم، وبشكل خاص في سورة الحجرات (الآية ‬6): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

 

وتتحمّل الصحف المصرية جزءاً من اللوم أيضاً، لأنها تؤجّج المشاعر من خلال عناوينها الرئيسة التي تنطوي على الكثير من الشماتة. قالت عفاف، ابنة أحمد عز: «أساس الديمقراطية هو سيادة القانون.

 

هذه ليست سيادة القانون، بل إنها شريعة الثأر». إنها محقّة، إنّه الثأر الذي تُغذّيه إحدى الغرائز البشرية الأكثر انحطاطاً؛ التشفي.

 

يخضع ‬150 رجل أعمال الآن للتحقيق، ومُنِع ‬23 منهم على الأقل من السفر. وكأنّ المصريين يقولون للعالم «حذار القدوم والاستثمار في مصر، فإن استثماراتكم غير آمنة».

 

لا شك في أنه يجب أن يمثل المشتبه فيهم أمام العدالة، لكن يجب أن تكون هناك قضيّة محكمة ضدّهم. بيد أنّ الحماسة التي يعتقل بها النائب العام المصري هؤلاء الأشخاص، هي أشبه بمطاردة السحرة.

 

ففي الوقت الذي تجتاح فيه موجة من الإجرام البلاد، حريّ بالنائب العام أن يوجِّه جهود العاملين معه نحو الحدّ من الإجرام، بدلاً من استهداف شخصيات عامة.

 

السؤال المطروح هو: لماذا لم يتّخذ عبد المجيد محمود إجراءات لكبح الفساد عندما كان مبارك في السلطة؟

 

ألم يكن يعلم أن هناك فساداً؟\ إذا لم يكن يعلم، فقد جمع إذاً الأدلّة بسرعة عجائبية، أو أنه استعجل التحرّك لإرضاء «النافذين» الجدد المتأهّبين لينهالوا بالإهانات والاتهامات على رجال أعمال مصريين وأجانب. كيف أنجز تحقيقاته في أسابيع معدودة،.

 

في حين أن نظراءه الفرنسيين استغرقوا سنوات لجمع الأدلّة في القضيّة ضد الرئيس السابق جاك شيراك، واستغرقت بريطانيا ثماني سنوات لتقرّر إذا كانت حرب العراق قانونية؟

 

فضلاً عن ذلك، يلجأ النائب العام إلى الانتقائية. فتحقيقاته لم تصل إلى الأشخاص الذين كانوا مقرّبين من مبارك في الجيش، مثل رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي،.

 

وسواه من الأشخاص الذين كانوا من أشدّ الداعمين لمبارك. إذا كان مبارك يُعتبَر فاسداً، يجب إذاً التدقيق في ملفّاتهم نظراً إلى ارتباطهم به.

 

وبإمكان النائب العام أن يبدأ بالحديث مع زكريا عزمي، الذي قد يتبيّن أنه مصدر ثمين للمعلومات في هذا المجال.

 

يتعيّن على المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الذي يضطلع الآن بدور القيّم على الدولة، أن يحكم قبضته على البلاد فيما يلوح في الأفق خطر انعدام الأمان السياسي والاقتصادي واندلاع ثورة مضادّة. أودّ أن أتوجّه بالكلمة الآتية إلى القوات المسلّحة:

 

أنتم أبطال حرّية مصر. لا تتخلّوا عن شعبكم في هذه المرحلة التي يعاني فيها من الهشاشة ويواجه خطر الوقوع ضحيّة لمؤامرة تهدف إلى تدمير الأعمدة التاريخية التي يقوم عليها بلدكم بكل فخر واعتزاز.

 

أنتم وحدكم قادرون على وقف هذه التظاهرات التي تحوّلت آفة متكرّرة في أيام الجمعة، أنتم وحدكم قادرون على منع الإذلال الذي يتعرّض له القادة المصريون السابقون.

 

ليست هذه مصر التي أعرفها. عندما أطاح انقلاب عسكري بالملك فاروق عام ‬1952، أطلق جمال عبد الناصر والضباط الأحرار الآخرون ‬21 طلقة مدفعية تحيّة للملك، قبل مرافقته بلباقة إلى سفينة أبحرت في اتّجاه إيطاليا.

 

أخيراً، رسالتي إلى إخواني وأخواتي في مصر هي؛ أبقوا رؤوسكم مرفوعة، حافظوا على مصر العظيمة واعملوا بإيجابية من أجل مستقبل مشرق لا مكان للثأر فيه. تجنّبوا القيام بأمور تصبّ في مصلحة أعدائكم؛ فهم سيهلّلون دائماً للممارسات الخاطئة.

 

واصغوا بدلاً من ذلك إلى أصدقائكم الحقيقيين، الذين أخذوا على عاتقهم الإشارة إلى الأخطاء وإسداء النصح الجيّد حتى عندما تكون الحقيقة جارحة.

Email