الثورة المصرية تسلك مساراً مقلقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت قد كتبت مقالا في مطلع فبراير الماضي بعنوان «ثورة الشباب في مصر اختُطِفت»، وكان ينتابني حينها توجّس عميق يتخوّف من وقوع الأسوأ. تردّدت في إحباط التفاؤل الذي كان الجميع يشعر به لأنني بالتأكيد أتمنّى الأفضل لشعب ذلك البلد العربي العظيم. عرفت أنني أسير عكس التيار لكنني رفضت رؤية الوضع من خلال عدسة وردية اللون. بعد شهرين، يؤسفني القول إن كل ما خشيته يحدث.

كما توقّعت، لا تزال البلاد محاصرة بالاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات والفوضى. أوردت وكالة «أسوشييتد برس» أن «الإجرام ارتفع بنسبة ‬200 في المئة منذ إطاحة حسني مبارك من الرئاسة»، و«يأتي القتل، والسرقة واللجوء إلى العنف، والخطف في رأس قائمة الجرائم المرتكبة». كان إلغاء المباراة بين نادي «الزمالك» المصري و«النادي الأفريقي» التونسي في إطار دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم، بسبب مهاجمة المشجّعين المصريين للاعبين والمسؤولين في أرض الملعب، أمراً معيباً. إن إعطاء مساحة من الحرية للشعوب شيء جيد، لكن في نهاية المطاف يجب أن يسود القانون والنظام.

لقد لحق بالاقتصاد أضرار شديدة مثيرة للقلق. فاحتياطي العملات الأجنبية هو في أدنى مستوياته منذ عام ‬2007، وجرى خفض توقّعات النمو، السياحة شبه معدومة، والفنادق فارغة. هذا ويؤدّي تدفّق العمال المصريين العائدين من ليبيا بأعداد كبيرة إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مصر.

يساورني قلق شديد بشأن الجبهة السياسية أيضا. فما إن انسحب مبارك حتى اختفت شخصيات بارزة في الحركة الشبابية. فضلاً عن ذلك، كلما سئل المتظاهرون الشبّان لماذا لا يُعيِّنون قائداً لهم، يجيبون دائماً أنهم ليس لديهم قائد.

وعندما حاول محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التصويت في الاستفتاء الدستوري الذي أجري الشهر الفائت، تعرّض للهجوم من معارضيه الذين يعتبرونه عميلاً للولايات المتحدة. بدأت أتساءل إذا كان بعض المحرِّضين على الثورة يعملون منذ البداية لحساب قوى أجنبية. ليس سراً أن علاقة واشنطن بمبارك كانت قد بردت أو أن أيمن نور، المرشح للرئاسة عام ‬2005، كانت تربطه علاقة ودّ بالبيت الأبيض. وكذلك، كانت منظمات أمريكية غير حكومية تموِّل سعد الدين إبراهيم، الناشط المصري المؤيّد للديموقراطية والناقد لنظام مبارك.

الحقيقة هي أنه ليس هناك مرشّحون ذوو مصداقية لدى الشعب المصري لشغل المنصب الأرفع في الدولة، وليس هناك وقت كافٍ لظهور مرشّحين جدد. يقول «الإخوان المسلمون» إنهم لن يقدّموا مرشحاً للرئاسة هذه المرة، لكن قيادتهم تتحيّن الفرصة في الكواليس، وتخطّط للاستحواذ على الناخبين بعد أربع سنوات. على الأرجح أنهم سيدعمون مرشحاً «مستقلاً» يكون دمية في يدهم.

يحاول «الإخوان المسلمون» الآن أن يُصوِّروا الحزب السياسي الذي سيشكّلونه قريباً بأنه سيسير على خطى «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا الذي تأسّس على مبادئ إسلامية معتدلة. لا تنخدعوا بالتبدّل الظاهري. فتنظيم «الإخوان المسلمين» هو المجموعة الأم لحركة «حماس» وله فروع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ؟ وينوي تحويل مصر إلى دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية بمفهوم متشدد خاص بجماعة الأخوان. من شأن ذلك أن يقود إلى انشقاق عنيف في بلد تتعدد فيه الأقليات القبطية والعلمانية.

حذّر الرئيس السابق مبارك ذات مرة من أنه «إذا نجح الإخوان المسلمون في السيطرة على البلاد، فسوف يعزلهم العالم، كما فعل مع حماس... وسوف يحزم رجال الأعمال حقائبهم ويسحبون أموالهم ويغادرون البلاد. سوف تتوقّف الاستثمارات. وسوف تزيد البطالة...». يمكنكم أن تقولوا ما تشاؤون عن الرئيس السابق، لكنه كان محقاً في كلامه هذا.

والأسوأ هو أن تنظيم «الإخوان المسلمين» يقيم روابط غير رسمية مع النظام الإيراني ولا سيما من خلال علاقاته القوية مع «حماس». كما أن التنظيم رحّب بالثورة الإسلامية الإيرانية، وعام ‬2008 قال مرشده الأعلى السابق محمد مهدي عاكف لوكالة أنباء إيرانية إن «الإخوان المسلمين يدعمون أفكار مؤسّس الجمهورية الإسلامية».

لذلك من المنطقي الافتراض بأنه في حال تولّى الإخوان المسلمون السلطة، قد يتحوّلون أداة للتأثير الإيراني في قلب العالم العربي. وستكون ضربة موفّقة لطهران التي نشرت مجسّاتها في لبنان وسوريا واليمن، وتحاول التسلّل إلى الكويت والبحرين. الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة في مدينة الكويت حكماً بالإعدام بحقّ جواسيس إيرانيين وطردت دبلوماسيين إيرانيين بسبب تورّطهم في شبكة تجسّس.

وقد ساد الدفء في العلاقات المصرية- الإيرانية عقب عبور بوارج حربية إيرانية قناة السويس وعقد اجتماع بين وزير الخارجية في الحكومة المصرية المؤقتة نبيل العربي والمسؤول الإيراني الرفيع المستوى مجتبي أماني. قال العربي «القاهرة جاهزة لإعادة إرساء العلاقات الديبلوماسية مع طهران بعد انقطاع دام أكثر من ‬30 عاماً».

لا أعتقد أن أي حكومة تصريف أعمال تأتي عن طريق التعيين يكون لها تفويض لاتّخاذ مثل هذه القرارات المهمة في السياسات. يُفترَض برئيس الوزراء عصام شرف وأعضاء حكومته أن يهتمّوا فقط بإدارة شؤون البلاد اليومية بانتظار إجراء الانتخابات. وينبغي على شرف أن يركّز على الحاجات الأكثر إلحاحاً للشعب المصري. كان مؤشراً سيئاً أن يتكلّم شرف الشهر الفائت في ميدان التحرير وإلى جانبه على المنصة محمد البلتاجي، الشخصية البارزة في جماعة «الإخوان المسلمين».

يجب أن يبقى المصريون متنبّهين للقوى الخارجية المدمِّرة التي تعبر الحدود إلى الداخل عن طريق عملاء. إذا أُضعِفت مصر، قلب الأمة العربية، بسبب الانقسامات والاقتتال الداخلي، فسوف يغرز ذلك سكّيناً في قلب كل عربي ويكون ضعفها بمثابة هديّة للأطماع الاستراتيجية لواشنطن وتل أبيب وطهران. ناقوس الخطر يدقّ. أرجو أن يسمعه المصريون قبل فوات الأوان.

Email