على من يرفع البشير عصاه؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    لا نعرف رمزية رفع العصا بمناسبات وطنية وحضور جماهيري يخطب فيها الرئيس السوداني عمر حسن البشير، هل هي لمن عصى، أم يهشّ بها على البشر بدلاً من الغنم؟

ولعل الأيام الماضية التي عانى فيها السودان الغرق بسبب الأمطار الهائلة والموسمية في كل عام التي نتيجتها هدم المنازل وذهاب الماشية والمزارع ألقت بظلالها على رفع أسعار الوقود فبدأت شرارة الاحتجاجات تنتشر في المدن والأرياف، وإن لم تصل إلى حلقة في الربيع العربي ربما لأن التجربة التي حدثت في الدول العربية خلقت مخاوف من تجارب مريرة مثل ليبيا وسورية، أو أن إحاطة البشير بقوات أمن ومليشيات وضرب الجيش والتي سخرت لها موارد البلد على حساب المعوزين والجوعى كانت جزءاً من خوف انتشار فوضى لا تقف على حدود خلاف بين المعارضة والحكومة..

ومن أجل أن يبعد عن الأزمات الداخلية افتعل البشير سفره لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة كحق قانوني يمنحه مثل غيره تأشيرة دخول وخروج تحت مظلة المنظمة الدولية لكن الرد بعدم قبول دخوله الأراضي الأمريكية جعله يتراجع، ليسمح لبوارج إيرانية تزور موانئ السودان كعملية استعراض قوة..

قبل هذه الحوادث حاول اختراق أجواء المملكة العربية السعودية بدون إذن لحضور تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني ولكنه منع لأسباب قانونية وسياسية وأمنية عبور هذه الأجواء لكن الرجل الذي أصبح مطارداً دولياً بسبب المجازر التي أخذها سبيلاً لتثبيت سلطته.. هذه السلطة لم تمنع فصل الجنوب تحت ضغط داخلي وخارجي أجبراه على القبول بواقع فُرض عليه، لكن هل انتهى مسلسل الواقع السوداني بوجود حروب القبائل في دارفور، وكردفان، وولاية النيل الأزرق بمبدأ أن حروب الأطراف هي جزء من هدف إحاطة نفسه بقوة الداخل؟ لكن هذا لا ينفي أنه رغم الامتيازات والرفاه الذي تحظى به القوة المحيطة بالرئيس، فإن الشواهد بدأت تؤكد أن عناصر من داخل حزامه الأمني والقوة التي يعتمد عليها بدأت تعطي إشارات إنذار على شكل رسائل وتحذيرات من أن تجاوز الأزمات المتصاعدة لا يأتي حلها بالخطب ورفع العصا التي يهدد بها الجميع لأن «النار من مستصغر الشرر»، وبدايات الاحتجاجات التي ووجهت بالقتل، ومنع وسائل الإعلام وإقفال بعضها في زمن لم تعد هذه الوسائل ذات جدوى وهو الذي يعلم أن ثورة الخميني بدأت ب«الكاسيت» والثورات العربية بوسائط التواصل الاجتماعي، لا يمكنه وقف انتقال المعلومة من وسط ميدانها وبالصورة والكلمة، ولم تعد الزعامة جملاً غير مفيدة وسط جوع وخوف، وهجرة قسرية، أو تلقائية تفرغ البلد من مواهبه لتتحول إلى معارضة خارجية، وهذا الفعل والتعسف جرى مع حكومات عربية ودولية عندما تم احتكار السلطة بقوة أحزمة الأمن والدولة السرية التي تدار من الخلف، وقد سقطت ومعها موانعها وفصائلها..

شعب السودان ملّ من مضاعفات حياته البائسة، فقر وأمن بوليسي وحصار إقليمي ودولي، وجوار مع بلدان لا تتفق سياساتها وأهدافها مع السودان عندما عانت من هجرات الذين طردتهم الحروب، ولا يبدو أن البشير قرأ جيداً أحوال بلده والأجواء المحيطة به بما فيها الوضع العالمي طالما الاستقرار يُبنى من الداخل وهو الأمر الذي لا ينفع معه إصلاح لا يُرى إلا على الورق..
 

Email