سورية.. هل تضع روسيا قوة المنافسة الجديدة؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

غابت بريطانيا عن المسرح السوري، وحضرت فرنسا كحليف عملي مع أمريكا، لكن طبول التدخل العسكري استطاعت إطفائية وزير الخارجية الروسي «لافروف» رش الماء البارد على تلك الانفعالات الساخنة، وربما «فزعة» فرنسا جاءت من أن سورية كانت إحدى مستعمراتها القريبة لها، وتعدها امتداداً ثقافياً عندما كانت الطبقة «الأرستقراطية» السورية هي بنت تلك الثقافة..

التدويل لهذه القضية لا يزال يرسم خطط ما بعد سورية، لكن كيف يتم التصالح والاتفاق على مستقبل البلد المنكوب بسلطته ثم عناصر تطرفه كأمر لا يزال ضبابياً، وإن كان تأكدت مصالح الروس والأمريكان، على ألا يكون هناك فائز وإنما شراكة، هي الأولى من نوعها ما بعد ثنائية القطبية، وربما أن هذه السياسة، رغم محاولات الأمريكان إبعاد أي نفوذ للروس حتى داخل جمهوريات الاتحاد السوفياتي القديمة، فإن سورية أصبحت مفصلاً جديداً بعدم وضع الروس في خانة الهامش، يبرر ذلك أن الأمريكيين لم يعودوا يثقون بقوة أوروبا رغم وجودها كأساس لحلف الأطلسي، بأن تدخل في حروب، أو حتى مزايدات أخرى تفرز قوتها، وهذا الأمر أعطى الأمريكان فسحة جديدة، ليس لاحتواء الروس، وإنما الاعتراف بنفوذهم، وعلى الأقل فهم طبيعة التركيبة الدولية التي أزاحت الدور المنفرد لأمريكا في السيادة الكونية على العالم، وهذا مرتبط بأزمتها الاقتصادية، والتفكير جدياً بالدخول في المنافسات الاقتصادية التي تقرر من هو صاحب السلطة ومقوماتها بما فيها مراعاة الحجم والنفوذ الروسيين في المنطقة وخارجها؟

السلاح الكيماوي السوري بات هو السبب والنتيجة، وقطعاً لا وجود لتصريحات أمريكا بسورية دون الأسد، وحتى التلميح الروسي بأنه ليس مع شخص أو طائفة أو طيف سياسي سوري إلا أن الروس لا يريدون أن يخرجوا من الغنيمة بدون مكاسب على الأرض، وفي مجلس الأمن مما يعطيهم بروزاً ذاتياً على المسرح الدولي، لكن تبقى العقدة السورية مرضاً متجذراً ومعقداً على أي جراحة سياسية حتى بوجود اتفاق قطبيْ التنافس عليها، وعلى صياغة الأهداف العليا فيما بعدها..

فالأسد لا يمكن أن يحكم سورية كما حدث في الأعوام السابقة بسبب أنه لا يسيطر على كل الأرض السورية، وتجربة التهجير والتدمير ألحقت به أكبر هزيمة داخلية وخارجية، ومن يحتلون الأرض من المعارضة لا يمكنهم التنازل عنها، إضافة إلى أن كلّ من لحقتهم المأساة لن يكون لديهم قابلية العيش مع النظام مهما كانت النتائج..

الأمر الآخر أن البديل المقبول غير مطروح، فلا الجيش الحر الذي يقوده معتدلون يحظى بتوافق أمريكي - روسي بالدعم، وكلاهما أيضاً يرفض العنصر المتطرف الذي يخوض المعركة بقوة وبتنام شعبي مؤيد له، ثم إن الهيمنة على ما قيل عن ألف طن من الأسلحة الكيماوية وكلفتها والحصول عليها إذا لم يتم تسريبها إلى العراق، أو حزب الله، فإن التخلص منها يفترض عقداً من الزمن، وهذا مأزق آخر للدولتين وللأمم المتحدة، إذ إن المخاطر ستلاحق الشعب السوري الذي يبحث عن منقذ، وهنا يأتي التساؤل، هل سيحل جنيف (2) الأزمة باتفاق ثنائي تلحقه مباركة مجاملة من أوروبا والصين على التخلص من الأسد وفق خطة تتبناها تلك الدول ودون تدخل عسكري لمصلحة أي طرف، وإنما قوة دولية رادعة تؤسس لمرحلة انتقالية لإنهاء المشكل بحل سياسي، وهو أمر مشكوك فيه أمام تنافر القوى الداخلية التي لن تتفق أبداً حتى على دخول قوة دولية، وهو المشكل الذي لن يعالج بالمهدئات والمسكنات؟!
 

Email