حروب الأديان الصغرى..

ت + ت - الحجم الطبيعي

منشأ الحروب هو إما المطامع، وإما السيادة على جنس أو قبيلة، أو دولة، والعداء بين البشر قائم حتى اليوم تؤججه الاحتكارات وحروب الأديان، والطوائف والعنصريات وغيرها، ولعل الضحايا البشرية في الحروب غير الدينية هي أضعاف غيرها، ومع ذلك فقد حَيّد السلاح النووي بعد ضرب اليابان أي معارك كبرى، لكن نشأ في ظلها الحروب بالنيابة، كالصراع بين الشيوعية والرأسمالية، وما نتج عنه من انقلابات في العالم الثالث، لتأتي الموجة الثالثة بحروب الطوائف، وهي رغم صغر نيرانها إلاّ أنها دفعت بدول كبرى لخوض اعتداءات تحت مظلة تهديد أمنها القومي أو مصالحها التاريخية..

العالم الإسلامي أصبح مركز هذه التوترات بسبب القمع السياسي ونقص الحقوق والمساواة بين المكونات الاجتماعية، وقد جاء اللجوء للدين بعد فشل الطرق التي اعتمدت الرأسمالية كمنهج وهدف لتكون فقط لطبقة تحتكر المال والسلطة والنفوذ العام، ومع سقوط العديد من الدكتاتوريات، كان البديل فراغاً سياسياً هائلاً شغلته الطائفة وخاصة في الدول التي أخذت النهج الاشتراكي و«بوليسيته» وحربه للأديان، لكن هذا البديل أصبح مشكلاً عالمياً، حيث صارت مراكز العبادة للأديان السماوية جزءاً من آليات التدمير وقتل الأبرياء، حتى إن إسرائيل لم تبال بجريمة قتل المصلين في الحرم الإبراهيمي، وطالت هذه الظواهر تدمير المساجد من قبل مسلمين سنة لحسينيات شيعية ونفس الأمر جرى من الشيعة ضد دور عبادة السنة، وحتى أتباع الأديان كان لهم نفس الدور فقد قامت طالبان بتدمير تماثيل بوذية في أفغانستان، ويجري من قبل (الروهنجا) حرب إبادة لمسلمي بورما، والطريق يمتد إلى الهند وباكستان ودول عربية وأفريقية وزعتها الصراعات الدينية لتكون بؤر الحروب الصغرى التي تغذيها أسباب سياسية ودعوات طائفية كلّ يسعى لإزالة الآخر بالقوة، وبلداننا العربية لا تقل مأساوية عن تصاعد هذا اللهب حتى إن استهداف الكنائس وحرقها، أو تهجير هذه الجاليات تحول إلى مشكل وطني، وقطعاً يبقى التعاطف قائماً مع الدول التي تدين بالمسيحية، شأن العالم الإسلامي الذي تهزه أي اعتداءات من أطراف خارجية على حريات مسلمين أو دور عبادتهم..

في صلب الأديان الدعوات السلمية والمساواة بين البشر، لكن في ظل روح الهيمنة التي طغت مع صعود الدول الأوروبية، قامت الحروب الصليبية، وبعد الاستعمار، أنشأت هذه الدول روح التعصب القومي والقبلي والطائفي تحت بند «فرّق، تسد» ومع هذه الروح لم تنته الأزمة عند حدودها الدنيا، فقد انفصلت باكستان عن الهند، ثم بنغلاديش عن باكستان بدوافع دينية، وكادت تعصف هذه الأمور بالعديد من الدول التي كان على رأسها أندونيسيا ونيجيريا، لكن تبقى منطقتنا الإسلامية بؤرة الصراع، ولم تعد الحلول سهلة بتجذر هذه العداوات واستمرارها..

عربياً العراق يسير باتجاه التقسيم القومي والطائفي، ونذر الحرب تعصف في لبنان، وسورية تسير في حالة ضبابية هي أقرب للحالة العراقية، والصومالية، ولا تزال العواصف الساكنة تهدد أكثر من دولة، سواء في نطاق الربيع العربي ، أو من لم تشملها تلك الزلازل، والحلول في بروز الإسلام السياسي تقبل كلّ الاحتمالات الصعبة..

Email