لماذا وحدنا بؤرة الصراعات العالمية؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    الكل يتساءل، المفكر، والفيلسوف، ونصف المثقف، والعامي من سكان الوطن العربي، لماذا نحن بؤرة الصراع العالمي، وأكثر من عاش الحروب الدولية والأهلية، والإقليمية؟

هل المشكل ديني مترسب من الحروب الصليبية، أم هو ثقافي يريد مسخ الهوية العربية، أم اقتصادي لاحتواء هذه البلدان عن أن تصل إلى مراحل التنمية الحقيقية والاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية، والنهوض بشعوبها إلى مراكز الدول المتقدمة، أم أنه استراتيجي تشكّل إسرائيل عمقه وأساسه باعتبارها الجسم الغريب المزروع في بيئة مناقضة للدولة الصهيونية؟

البعض يرى في كل تلك الأسئلة مجتمعة سبباً مباشراً، وأن صدامنا مع الغرب الأوروبي الذي أورث صداماً ثابتاً مع أمريكا يتناغم مع الطروحات والأحكام المسبقة على المنطقة العاجزة عن الخروج من مآزقها المستمرة، والمقرر سلفاً، أنها أمة تعيش أسر بداوتها وتراثها وعجزها عن أن تسجل تحولات إيجابية نحو العالم المتقدم، حتى إن البعض يعزو ذلك إلى طبيعة العقل العربي المتفرد بخصوصيته، ووقوفه عند نقطة ماضية يجعله سبباً، ثم جاءت الانقلابات وصناعة الدكتاتوريات لتكون بحماية شعبية أعطت البطل المخلّص بيعتها، ليحتكر كل شيء ويضع شعبه في ذاته كامتداد لرئيس القبيلة الذي سلخ ثوبه ليلبس بزته العسكرية، ويجعل من الشعب قطيعاً في ثكنة عسكرية معتمداً على دعم غربي وشرقي في حماية نظامه وأسلوب حكمه..

الحقيقة أن هذه الصورة تروجها بعض أنظمة الحكم العربي، وتجسدها كحقيقةٍ الأدبياتُ والطروحات الخارجية، حتى إن الشكل العام للصورة النمطية لأي عربي، لا يتعدى ما رسمته ليالي ألف ليلة وليلة، وإن أمة تسقط أمام إسرائيل التي لا تشكل أي نسبة جغرافية أو سكانية في حرب لم تدم أكثر من ستة أيام، لهو أمر يُحيِّر عالم السياسة والاجتماع، والاستراتيجيات العسكرية، وهنا يأتي البحث هل المشكل في ذات الفرد، أم السلطة، أم المجال التربوي والعلاقات الاجتماعية، أم أزمة تاريخ مثقل بالتناقضات وبُعد الحوافز عن خلق كيانات تعيش طبيعتها باستقلالية القرار عن الأطراف الخارجية، حتى إن بعض المستشرقين المسيّسين يرى في الحضارة العربية مجرد سرقة من حضارات بلدان احتلها العرب، وأصبحوا مجرد بريد ناقل لها ليقدموها للشعوب الأخرى؟

كل هذه الأسباب نشأت وتبلورت من واقع ما يزيد على نصف قرن مضى حيث لا نجد في هذه المسيرة نظاماً لدولة شكّلت معماراً نموذجياً في التعايش الاجتماعي وبناء اقتصاد نموذجي، وفرض قيم العدالة الاجتماعية، وإطلاق الحريات، رغم وجود بيئة ثرية في العديد من الإمكانات الهائلة وموقع جغرافي مثالي، واعتبار القصور ناتجاً عن حروب مستمرة مع الغرب صاحب المؤامرات التي لا تنقطع رغم السعي للسلام والتعايش، وهي الكوابيس التي روجت لها السلطات لتضع الشعوب أمام العدو الساكن معنا ويقتلنا بالتقسيط المريح..

لا نعطى البراءة لعدو قائم في شكل مؤامرة أو غيرها، لكن هناك شعوب وأمم واجهت في تاريخها أضعاف ما عشناه وعرفناه، ولكنها استطاعت أن تجد المخارج، وأن تبني ذاتها بدون أن يستوطن حياتها الشبح المجهول لأنها طرحت مشروعها الوطني أو القومي بمحاكمة نفسها أولاً، ولماذا سقطت، وما هي الوسائل المتاحة لنهوضها؟

وهذه النزعة هي التي أخرجت آسيا وأمريكا الجنوبية من أزماتها وبناء منظومة عمل لا تقوم على فرز ديني أو قومي وطائفي، وهي المشكلة التي علقنا بها، وصارت أزمتنا وركيزة عجزنا عن أن نرى أنفسنا بمنظارنا لا بمنظار غيرنا..
 

Email