«أردوغان» المستفز الغاضب

ت + ت - الحجم الطبيعي

للإنصاف لتاريخ السيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، فإنه مؤسس دولتها الحديثة، والتي تجاوزت زمنها في التنمية والديمقراطية ووضع أغلال على أيدي المؤسسة العسكرية التي طالما كانت هي مركز السلطة الفاسدة باسم المحافظة على الإرث «أتاتورك»، لكنه بحس رجل الدولة التاريخي استطاع تجاوز أخطاء أسلافه أصحاب الاتجاه الإسلامي ليقود بحزبه «العدالة والتنمية» نهضةً غير مسبوقة في التاريخ التركي ويضعها على بوابات العالم المتقدم، غير أن إدارة دولة، ما وحلم تأسيس إمبراطورية على نمط «العثمانية» بات مغرياً لأردوغان، لكنه كما يبدو لم يقرأ الزمن ولحظته بشكل دقيق، وبأن عصر الإمبراطوريات انتهى مع آخر دولة تحررت من الاستعمار البريطاني..

الحركة الإسلامية التي سادت منذ ثلاثة عقود كاتجاه شبه عام في الدول التي تدين بهذه العقيدة، اختلفت مساراتها بين إسلام معتدل في ماليزيا، أندونيسيا، تركيا، وبين إسلام راديكالي في باكستان وأفغانستان، ودين مذهبي شيعي مختلف إلى حد الاحتراب مع السنة، غير أن «أردوغان» قدم مشروعاً إسلامياً معتدلاً طرحه على أمريكا وباركته، بحافز أن تركيا تحظى باحترام عام لنهجها وطريقتها، وأنه بمشروعه قادر على احتواء التطرف بكل أشكاله، وتأسيس عالم إسلامي بقيادة بلده ديمقراطي ومتسامح، ويؤمن بحقوق الإنسان وحرية معتقده واتجاهه..

وجاء الربيع العربي ليقدم لرئيس وزراء تركيا فرصة جديدة، وخاصة مع تونس ومصر الإخوانيتين إلاّ أن قراءته للواقع لم تكن واعية؛ حيث تعامل مع إخوان مصر وكأنهم النهاية الأبدية لعودة الحكومات العسكرية، وحتى زيارته زمن مرسي لم تكن بذلك الدفء عندما قدم نصائحه المرفوضة، لكنه أبقى على العلاقات قائمة لدرجة أن المعونات كانت الأكبر لاستمرار دولة الإخوان لكنه فوجئ بأن أكثرية شعبية ضد هذا الاتجاه، وكان الخيار على الجيش بمبايعته لتغيير الدولة ومؤسساتها صدمةً هائلة لأردوغان ما جعله يخرج عن طور رئيس الدولة الحكيم إلى المتطرف بتصريحاته وآرائه حتى إن هجومه على شيخ الأزهر وكل من وقف مع الإرادة الشعبية المصرية صنف بنظره عدواً، لدرجة أنه شبه دعم دول الخليج العربي والوقوف مع مصر «بإخوة يوسف» الذين أرادوا بيعه أي التخلي عن الإخوان، وبصرف النظر عن توجهه، فإن المواجهة الراهنة لم تعد مع مصر، أو الاتجاه المضاد للإخوان، وإنما مع الاحتمالات التي ترشح انشقاق حزبه صاحب الشعبية الكبيرة، وهو قلق لا يخفيه أمام نقد المقربين له سواء بأزمة ميدان تقسيم، أو انسحاب الاستثمارات من الأسواق الناشئة كتركيا إلى مواقع آمنة، ما أدى إلى تدني سعر الليرة التركية، وهي تحديات يذهب المحللون إلى أنها ستكون حادة على مستقبل أردوغان..

من مصلحة العرب وتركيا الإبقاء على علاقات لا تتسم بحلم الخلافة من جديد، لكن وفق استراتيجية تُبنى على المصالح والأخوة الإسلامية وبدون تدخل في شؤون الغير..

ولعل ما طُرح من مشاريع بينها وبين دول الخليج العربي كان نقلة نوعية لكنها، في الوقت الحاضر، لا تبدو أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وهي خسارة للطرفين..

Email