المواجهة.. أم خيارات الأبواب المفتوحة؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

    الملك عبدالله أعطى درساً كبيراً بالكيفية التي يتم بها التضامن العربي وقت الظروف الصعبة، وتهديد مصير الأمة العربية عندما كشفت الحقائق عن وضع مصر على طريق الحرب الأهلية والتقسيم، وقبل ذلك عملت قوى أمريكية وأوروبية على عزلها عن محيطها العربي باتفاقية «كامب ديفيد»، وظهرت نتائجها بالدور الأمريكي الحالي والضاغط لسحب مساعداته المادية والعسكرية التي هي التزام ضمن الاتفاقات الملزمة لاستمرار العلاقات الإسرائيلية - المصرية..

وقطعاً لا تريد أوروبا أن تختفي عن المسرح بوضع ترتيبات مماثلة غايتها مواجهة مصر بالعديد من الضغوط الاقتصادية إلى حد المقاطعة، وهذا الأمر كشف عن حقيقة ما أخفته الدبلوماسية والعلاقات التي ظلت لمصلحة الدول الأطلسية، غير أن المبادرة بالرد المباشر من خادم الحرمين الشريفين، والذي أحرج العديد من الدول العربية الصامتة، ودول أوروبا وأمريكا التي تعرف ميزان مصالحها مع مصر ودول الخليج العربي وحساسيته على اقتصادها وسياساتها في المنطقة ما استدعى أن تكون الدبلوماسية السعودية واضحة وصريحة بلقاء وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل مع الرئيس الفرنسي، بمعنى أن المواجهة مع مصر تعيدنا إلى ما قبل وبعد حرب 1973م حين كان المرحوم الملك فيصل عنصر الدعم والقوة في الانتصار، وتسجيل الحضور الذي مس الاقتصاديين الأوروبي والأمريكي نتيجة حظر النفط، وما تلاه من أزمات رفعت قيمة وأهمية الجغرافيا العربية وضروراتها لأوروبا وأمريكا..

السياسة العالمية الراهنة لا تدار بالقطب الواحد وحلفائه، أمام متغير جديد في تعدد القطبية وكثرة الخيارات في بناء علاقات مع قوى مثل الصين وروسيا والهند وحتى البرازيل، ولم يعد الارتهان لباب واحد قابل للغلق أمراً تحدده أمريكا وأوروبا لأن مصالحهما في المنطقة كبيرة جداً بل وأساسية على أمنهما، وقد عرفتا كيف كانت النتائج عندما لجأت العديد من الدول العربية للاتحاد السوفياتي كبديل موضوعي أخل بتوازن وعلاقات العرب مع المعسكر الغربي..

الشعب المصري اختار ما يريد، والتدابير التي قامت جاءت بأغلبية ساحقة ترفض دولة الإسلام السياسي، وهي حصيلة تجربة عاشها ورفضها، وهو حق طبيعي وسيادي لشعب يتمتع بحريته وتقرير مصيره، ولم تعد أزمنة الاعتداء الثلاثي ومنع بناء السد العالي وتمويله أو حروب القمح والأسلحة قائمة أو صالحة للاستعمال مرة أخرى، طالما موازين القوى العالمية تغيرت والمصالح تعددت، والمنطقة العربية التي ظلت ميدان الاستعمار والاحتكار وإدارة الأزمات عليها وتطبيق سياسات أحادية الجانب عليها فقدت قيمتها، وبالتالي إذا لم يكن هناك تعامل يراعي الأهداف المشتركة بدون إعلان حروب باردة، أو تهديدات لمبعوثين أمريكيين يعيشون عصراً قديماً حاولوا أن يملوا إرادتهم على الشعب المصري وحكومته، فإن عدم وجوده سيفجر عداء شعبياً مطالباً بتغيير مسار السياسة كلها مع أمريكا بما فيها رفض معونتها، والتي يذهب ثلاثون في المئة منها لخبرائها، والباقي يذهب سلعاً وأسلحة غير ذات قيمة مقابل استمرار إشعال الحرائق في مدنها وقراها..

وفي كل الأحوال فالمراجعة للسياسات مطلوبة وبدون إملاءات أو وصايا لأن الزمن صاغ اتجاهاً غير قابل للتراجع..
 

Email